هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1085: هكذا تكلــّـمَ… “العبقريّ”

الحلقة 1085: هكذا تَـــكَـــلَّـــمَ… “الــعَــبْــقَــرِيّ”
الأَربعاء 6 شباط 2013

“صَدَر عن المكتب الإعلامي البيانُ التالي: …”.
…ويَروح البيانُ، انفعالياً مرةً أَو فئوياً مرات، ينافِح عن المسؤول، ويدافع عن موقفٍ له، أَو يُوضح تصريحاً له، أَو يرُدُّ على مقالٍ عنه، أَو يُهاجم خَصماً له، وفي جميع الحالات يكون بيان “المكتب الإعلامي” صوتَ صاحبه لا بيانَ المنصِب الذي يتولاّه صاحبه.
وبـــــ”المكتب الإعلامي” هنا أُفَرِّقُ تماماً بينه وبين “الملحق الإِعلامي أَو الصحافي” الذي تُعيِّنه الدولة من مندوبي “الوكالة الوطنية للإعلام” موظَّفاً مفصولاً إِلى الدائرة أَو الوزارة أَو المؤسسة العامة ليَنقُلَ منها لا نشاطَ رأْسها الخاصَّ أَو الشخصيّ بل نشاطَها العامّ ريثما تتعمَّمُ على الرأْي العام أَنشطةُ مفاصل الدولة وخدماتها للمواطنين بحركتها اليومية. وهذا “الملحق الإِعلامي أَو الصحافي” منفصلٌ عن “المكتب الإعلامي” الذي يخترعه المسؤول (وزيراً كان أَو نائباً أَو سياسياً حالياً أَو سابقاً) ويتلطَّى خلْفه فيردُّ أَو يصرِّحُ أَو يدافعُ أَو يُهاجم من دون أَن يكون هو شخصياً يَردُّ أَو يصرِّحُ أَو يدافعُ أَو يُهاجم. وغالباً ما يكونُ تمويل هذا “المكتب الإعلامي” من مخصَّصاتٍ تَـحُقّ للمسؤول يعيِّن بها مستشارين كثيراً ما تكون “استشاراتهم” تنفيعةً لهم من المسؤول أَو تقليعةً منه كي يرُدُّوا باسمهم على منتقديه. من هنا ما نسمعه أَحياناً أَو نقرأُه عن صدور بيانٍ لـ”المكتب الإعلامي” يبَيِّضُ صفحة المسؤول حين يُخطئُ كي لا يعترفَ هو بأَنه أَخطأ أَو زلَّ لسانه بانفعالٍ شخصاني، فيرُدُّ “مكتبه الإِعلامي” ويصحِّح ويوضح ويبرّر ويفسّر ويَشرح، لكنّ الرأْي العام واعٍ تماماً أَنّ هذا المسؤول الأَشوس يَغرق أَكثر فأَكثر في رمالٍ متحركةٍ من غَطْرستِه، وأَن تبرير “مكتبه الإعلامي” لا يغطّي خطأَه أَو خطيئتَه أَو موقفَه أَو تصريحَه، بل يتلقاه الناس كاريكاتورياً على أنه: “هكذا تَكَلَّمَ… العَبْقَرِيّ”.
بدعةٌ هي ظاهرةُ “المكتب الإعلامي”، وسهلةٌ في ارتجالِ بيانٍ ليس في حاجة إلى أَخذ موافقة السلطات العليا، لذا يأْخذ المسؤول راحتَه في دَسِّ ما يريد دَسَّه، وإِطلاقِ ما ينوي إِطلاقَه، وتبريرِ ما يبغي تبريرَه. سوى أَنه لا يُقنع أَحداً، لأَن الشعب اللبناني بات فاضحاً أُلْعُبانيّات بعض السياسيين الذي يتَّخذون “المكتب الإِعلامي” قناعاً لهم يُخفي وجْهَهُم، جاهلين أنّ الشعب، في أَكثريته الواعية المتنوِّرة، فاهمةٌ حقيقةَ هذا السياسي أَو ذاك، ولو خَبّأَ وجهَه واستَتَر متقنّعاً ببيان “المكتب الإعلامي”.
المضحِك المؤْسف في كلّ هذا أَنّ بعض السياسيين لم ينتبهوا بعدُ إلى أَنّ الشعب انْتَبَه، ولم يَعُوا بعدُ أَنّ الشعب وعى، ولم يقتنعوا بعدُ بأَنّ معظَمَ الشعب اقتنع بأَلاّ يَبقى قطيعاً بقيادة هذا السياسيّ أَو ذاك، وأَنّ في هذا الشعب رافضين كلَّ هذا الكرنـﭭـال السياسيّ الذي يَجري أَمامَهم يومياً، ولم يعودوا مؤْمنين بمعظم سياسييهم، وأَنّ هؤلاء الرافضين إِن لم يحاسبوا اليوم المزيَّفين من السياسيين فسَوف يلاقونهم بقَسوةٍ نهار الانتخاب كي يَنتخبوا مَن لا يَضحك على الشّعب، ومَن لا يَستغلُّ مناصريه، ومَن لا يعتبر الناسَ قطعاناً يقودُهم عُميانياً إلى حيث يريد أَو يريد له أَسيادُه أَن يريد.
لذا نرى معظم المسؤولين يتهافتون اليوم على الإِكثار من تصاريحهم “العَرضْحالاتية”، مباشرةً أَو عبر مكتبهم الإعلامي ببياناتٍ لم تَعُد حتى الصحافة تنشرها لهم، لقناعتها بطَنينهم الشخصانيّ الفارغ.
بلى: إنّ الواعين في شعبنا لـم يعودوا يصدّقون هذه القصور في الهواء ولا تبريرات المسؤولين عن أَخطائهم وخطاياهم، وخصوصاً حين تكون تصاريح فولكلوريةً تَبدأُ بعبارة: “صدر عن المكتب الإعلامي البيانُ التالي”.