هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1083: في مألوف ردود الفعل

الحلقة 1083: في مألوف ردود الفعل
الأربعاء 23 كانون الثاني 2013

في مأْلوف ردود الفعل الفورية عند وقوعِ كارثةٍ، أَن يقول ضحاياها: “كنا نظنُّ أَنَّ هذا لا يحصل عندنا بل عند الآخَرين”.
غير أَنه يحصل، وها هو عندنا حصَل.
وفي مأْلوف ردود الفعل السياسيّة عند وقوع كارثةٍ، طبيعيةٍ أَو بشريةٍ، أَن يعْمَدَ المسؤول إلى الاستقالة، وإن لم يستَقِلْ قد يُقيلُه الحاكمُ عِقاباً له على تقصيره أَو عدم احتياطِه واستباقِه وُقوعَ الكارثة.
غير أنّ هذا لا يحصل عندنا بل عند الآخرين.
وحين هجَمَت علينا “السِّتّ أُولغا ثَــلْــجَــاكوﭬـيتش” لم يكن أَحدٌ من المسؤولين حاضراً ولا محتاطاً، فمارَسَت “السِّتّ أُولغا” صولاتِ بَطشِها جولاتٍ تركَت مدُنَنا والقرى، سُهولَنا والجبال، داخلَنا والساحل، سجّادةً بيضاء تُـخفي كارثةً سوداء، وانهمَرَت أَمطار، وهدرَت أَنْـهار، وسقطَت أَسوار، وانهار كلُّ ضَعفٍ في جدار، وانقطعَت عن الطاقة الأَنوار، فباتَ لبنانُ كلُّه في قبضة الحصار.
أَين المسؤولون؟
موجُودون. نعَم: جميعُهم موجودون. لم يهرُب واحدٌ منهم إلى الخارج. جميعُهم ظلُّوا هنا. لم يتحرَّكوا. إنما لم يتحرَّكوا من مَـخابئهم الدافئة الأَمينة داخلَ جدرانٍ مكينة، تاركين الناس يواجهون مصائبَهم اللعينة، صارخين في وديانٍ سخينة، وليس من يسمع صرخاتهم المسكينة.
شكراً لشباب الصليب الأَحمر والدفاع المدني وجيش لبنان هَرَعُوا إلى نجدة الناس المنكوبين فيما هَرعَ المسؤولون الأَشاوس إلى وسائل الإعلام يعلنون عدمَ مسؤوليتهم وإلقاءَها على المسؤولين الآخَرين والدوائر الأُخرى والوزارات الأُخرى والإِدارات الأُخرى.
يا حَرام: أَبرياءُ مخْلِصون، والحقُّ على غيرهم. كان بودِّهم أَن يُبادروا ويَفعلوا ويُساعدوا ويُنقذوا، لكنّ هذا الذي حصل هو نتيجةُ الإِهمال والتراخي والتقصير في حكوماتٍ سابقة وعهود سابقة وولايات سابقة، لا دخْل لهم فيها.
أَما لماذا لم يَتداركوا ولم يُبادروا ولم يُصحِّحوا ولم يَتنبَّهوا قبْل وقوع الكارثة، فهذا ليس تقصيراً منهم طالَما يحصَل مثْلُهُ في جميع البلدان ويكون أَقوى مما عندنا، فلماذا الهلَع حين حصل عندنا؟
وبعد كلّ تصريحٍ يعودون إلى بيوتهم الدافئة وعائلاتهم الدافئة يتابعون على الشاشة الدافئة مصائبَ الناس من “السّتّ أُولغا”، وشكاواهم من تقصير المسؤولين. ويبتسم المسؤولون في بيوتهم، لا تهزُّهم شكاوى الناس ولا نداءاتُهم ولا صراخُهم ضدّ المسؤولين.
لا تهزُّهم لأَنهم يعرفون أَنّ هؤلاء المتظلِّمين الساخطين غداً يوم الانتخاب سينسَوْن ظُلامتَهم وسُخْطَهم، ويقترعون من جديد للأَسماء إِياها والمسؤولين إِياهم، وتَعودُ الدورةُ من جديد، ويعودُ الصيف من جديد، ويعودُ الشتاء من جديد وربّـما حاملاً معه شبيهاً لغضبِ “الستّ أُولغا”. ويَستريح المسؤولون على هذه الفكرة، ويذهَبُون إلى النوم من دون كوابيس.
لكنَّهم في مرتع أَحلامهم لا ينْتَبهون إلى أَنّ ناخبهم قد يكون كابوسَهم نهار الانتخاب فيقترعُ لسواهم أَو… لا يَقترع.
وعندها يكون الناخبُ الواعي هو الذي جعَلَ المسؤولين هذه الـمَرَّة بين ضحايا “السّتّ أُولغا”.