هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

774: أسْرِع قبلَ أنْ…

أَسْرِع قبلَ أَنْ…
السبت 29 كانون الأول 2012
-774-

لـم “تتفجَّع” الأُسبوعية النيويوركية “نيوزويك” وهي تُعلن أَنّها تُصدِر الاثنين بعد غدٍ “عددَها الورقيّ الأَخير”.
ولـم تتَّشح بـ”الأَسى” على وداع 80 سنة (منذ 17 شباط 1933) من صدورٍ دَوريّ بلغ أَخيراً 3 ملايين نسخة في الولايات المتحدة و4 ملايين نسخة في العالم، ثانيةَ أَوسع الـمجلات انتشاراً بعد الـ”تايم”.
كلّ النوستالجيا جَـمَّعَتْها المجلةُ على صورة غلافها الأخير: مقرّ المجلة في نيويورك بالأَبيض والأسود. وابتداءً من 2013 تنتقل إلى الإِصدار الرقميّ لتبلُغَ مساحةً أَوسعَ من القرَّاء في جميع أَنحاء العالم متخلّصةً من عناءِ الشحن والتوزيع والمرتجعات وما يتطلّبه حفْظ الأَرشيڤ الورقيّ من مساحات وأَحجام.
أَيكون ذلك، بعد إِيقاف مطبوعاتٍ عالـميةٍ كبرى نسختها الورقية، تصاعُداً لبلوغ الصحافة عصرَ الإنترنت مرحلةً جديدةً أُخرى من دخول تكنولوجيا العصر ووداع حقبة طويلة من الصحافة الورقية؟
واضحٌ ذلك طالـما الإنترنت، بعد أَجهزة الكومـﭙـيوتر الثابتة، بات موصولاً بالـمحمُول من أَجهزة الهواتف الخلَوية والآيـﭙـود والآيـﭙـاد، وهي اليوم بين أَيدي ملايين الـملايين من الناس تحت كُلّ سماء، وباتت قراءةُ الصحف مُـمكنةً في أَيّ وقتٍ وأَيّ مكانٍ بدون قطْع الـمَسافة إلى الـمكتبة وتَكديس الورق يومياً أَو أُسبوعياً، ووسِعت مساحة القراء وأَصبحَت المطبوعةُ تَبلُغُ أَقربَ قارئٍ في أَبعد مكانٍ غير آسِفٍ على صفحات ورق كان يقصُد إليها كي يقتنيها، بل أَخذ تدريجاً يفقد عادةَ قصْده إِليها بعدما باتت هي تقصُد إليه. وليس أَدلَّ على ذلك من هُبوط مبيعات “نيوزويك” إلى مليون ونصف مليون نسخة سنة 2010 بعد ملايينها الأَربعة قبل ذاك التاريخ.
إنه العصر السيبرنيتيّ نلحقُ به وإِلاّ يسبقُنا. وها هي الصناعةُ الصحافيّة تنحو إليه، وفيه توفيرُ الورق والتوزيع والـمَسافات، وربحيّةُ أَن يقرأَ المطبوعةَ ملايين يَـجعلون الإِعلان فيها أَغلى لأَنها باتت تَبلُغ مساحةً أَوسع من القرّاء حتى آخر الأرض!
وما بلغَه العصرُ اليوم استمرارُ ما بدأْنا نشهده منذ سنواتٍ مع حفظ أَرشيڤ الصحافة في ميكروفيلم (عوض تكديس الأَعداد الورقية) ثم لاحقاً في أُسطوانات مدْمَـجة اختصرَت الـمساحات أَكثر، وحديثاً في ذاكرة الكومـﭙـيوتر التي تستوعب آلافَ الأَعداد في مساحةٍ افتراضيةٍ لا سقفَ لـحجم استيعابها ولا مساحةً مادية. فَلْنَجْرُؤْ بشجاعةٍ على دُخول العصر في فرح الانتماء التكنولوجيّ.
وإذا كانت سائدةً في القديم مَقولةُ “إِلتحِق قبل أَن يسبقَكَ القطار”، فمَقولة العصر اليوم باتت “أَسْرِعْ قبل أَن يسبقَكَ العصرُ الرقميُّ الـمتحرّك فتُصبحَ رقماً هامشياً كالصِفْر الهامد إلى يَسار العدد”.