هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

768: ذاك الرعيل المبارك

ذاك الرعيل المبارك
السبت 17 تشرين الثاني 2012
-768-

في بحثي عن نصوص الياس أَبو شبكة، نثراً وعلى الأَخص شِعراً، في صُحُف زمانه، أُضيفها فصلاً أَخيراً إلى كتابي عنه، فتحَ لي الصديق جان بخاش صدْر أَرشيڤ جريدة أَبيه شكري “زحلة الفتاة”، وفيها نشر أَبو شبكة نصوصاً عدّة وفي مناسبات عدّة.
غير أَنني، إلى نصوص أبو شبكة (كان يُصرّ على كتابة اسمه “أَبو” في جميع حالات الإعراب)، انفتح أَمامي أُفقٌ واسعٌ من لبنان الأدب منذ صدور هذه الجريدة (1910) مروراً بجميع المراحل التي رافق فيها شكري البخاش الحركة السياسية والأدبية اللبنانية فَعَمُرَت صفحات “زحلة الفتاة” بما يشكِّل اليوم وثيقةً ضروريةً لتاريخ لبنان.
في زحلة، السبت الماضي، كان المطر في الخارج يغسل غبارَ الأَيام الكثيفَ عما بين يديَّ من كنوز على صفحات “زحلة الفتاة”.
وإذا صحافتُنا اليوم تواصل حضورها السياسي والوطني (على ما فيه من موزاييك متناقض حتى الفجيعة) دأْبي هنا كنوزُ الأدب التي لم أَعُد أَراها في صحافتنا كما كانت من قبل.
أَمامي “زحلة الفتاة”، وفي بالي “برق” الأَخطل الصغير، و”عاصفة” كرم ملحم كرم، و”معرض” ميشال زكور، و”مكشوف” فؤاد حبيش، و”صنّين” عبدالله غانم، و”أَديب” أَلبر أَديب، و”آداب” سهيل ادريس، وسواها من “رصيفات” (تعبير تلك الأيام) كانت تُفرد للأَدب والأُدباء والشعر والشُعراء حيّزاً دورياً واسعاً من الصفحات، فتكون القصيدةُ الجديدة حَدَثاً، والمناسبةُ الأَدبية حَدَثاً، والمهرجان الأَدبي حَدَثاً، بل أَكثر: الأَدب في ذاته، شعراً أَو نثراً، كان حَدَثاً. وهو ما نفتقده اليوم في صحافتنا التي تكتفي بصفحات “ثقافية” عامة تنشر تغطيات صحافية أُفقية (معظمُها هزيل ومن باب “رفع العتب”) تضمّ متفرقات شتى في مواضيع شتى.
الأَدب ليس “جزءاً” من الثقافة بل عريسها، ويستحقّ أَن تنفرد له صفحات خاصة تستقبل نصوص الأُدباء الجديدة، شِعرَها والنثر، كما كانت صحف ذاك الرعيل المبارك تنشُر جديدَ شعراءِ ذاك الزمن وأُدبائه، وأَخبارَهم ومنتدياتهم، بكل احترام، فتَبرُز المقطوعة الأَدبية بأَناقة طلّة، والقصيدة الجديدة ببهاء إِخراج، وأَحياناً افتتاحية.
تَغَيّر الزمن اليوم؟ ربما، إنما في المنطق الصحافي.
أَما في منطق الأَدب فالأُدباء والشعراء لا يتغيَّرون مع الزمن بل هم مشاعلُ الزمان الدائمة، حضورُهم لا يُـمسي “السابق” ولا العابر ولا الآني.
وفيما صحافتنا تُفرِدُ صفحاتٍ وسيعةً للرياضة والتسلية ولا تفرد للأُدباء حيّزاً لائقاً بنتاجهم، نستدرك أَن صحافة ذاك الزمان مع ذاك الرعيل المبارك جديرةٌ بأَن تكون مادةً جامعيةً دراسيةً دسمةً تُؤَرِّخ مرحلةً من لبنان الأَدب أَخشى أَن تكون غابت ولن تعود.