هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

762: انتصر على قَهْر الـ”غولاغ”

انـــتَـــصَـــرَ على قَــهْــر الــــ”غولاغ”
السبت 29 أيلول 2012
-762-

الـ”غولاغ” الرهيب!
وحدَه اسمُهُ كان كافياً ليُزلزلَ الـهَلَع في التَّـخَــيُّــل.
الـــ”غولاغ” ! مُعَسكَــرُ النفْي والاعتقال والتعذيب والأَشغال الشاقّة !
الـجهنَّم السوﭬـياتيةُ الأرضية التي نادراً ما خرَج منها مَن دَخَلَها.
بين 1923 و1986 تشير إحصاءات إلى 12 مليون ضحيّة، وأُخرى إلى أَكثر.
ستةُ عُقود من الـمآسي… معظمُها غاص في الصمت القاهر، وظهرَ بعضُها في كتب وروايات.
“أَرخبيل الغولاغ” رائعةُ أَلكسندر سولـجِنيتسين (1918-2008) أَصدرها بعد ثلاث سنوات من نيله نوبل الأدب (1970) وهي أشهر كتبه. في ثلاثة أجزاء ضخمة روى شهادات أسرى ومعذّبين ومقهورين وضحايا أَحياء، وتـجربتَه الخاصة أَسيراً ثماني سنوات (1945-1953) لـمناهضته في رسائله الحميمة سياسةَ ستالين مؤسس الـ”غولاغ”.
غير أنّ حبّه الكبير انتصَرَ على سنوات القهر، وحبيبتَه ناتاليا ريشيتوﭬـسكايا انتصرَت بإبقاء الحُبّ بينهما شاعلاً حتى خروجه من الـمعتقَل الرّهيب، فلم يستطع منفى الـ”غولاغ” نَـفْيَهُ من القلب العاشق الـمُجذّر في حبيبته.
وقبل أيام صدَر كتاب “عاشقَا الغولاغ” للاختصاصيّ في تاريخ روسيا الكاتب البريطاني أورلندو فيغِس الذي، خلال تنقيبه سنة 2007 في متحف موسكو التذكاري (يضم وثائق لضحايا ستالين) اكتشف ثلاثة صناديق كبيرة تـحوي 1500 رسالة حُبّ سريّة كان يتبادلُـها العاشقان عالِـما الفيزياء ليڤ ميشْتيشِينكو وحبيبتُه سْـﭭـيتْلانا رغم شدة الحصار ومراقبة الرسائل في ذلك المنفى السيبيريّ الـمُرعب. كان ليڤ أَسيراً هناك، وسْـﭭـيتْلانا في موسكو تكتب إليه، تقرأ رسائله، وتنتظره يعود إليها. ولدى خروجه ولقائهما الرائع، قرآ الرسائل معاً، ثم أَودعاها مكتبة المتحف.
عشر سنوات من الاعتقال (1945-1955) صاغ منها فيغِس بقلمه الـمميَّز روايةَ حُبّ رَسائلية هي بين أجمل ما صدر من كتُب الحبّ في السنوات الأخيرة.
إلى شُعلة الحبّ الرائعة في رسائل الحبيبَين، ينسُج فيغِس مراحلَ جَـمَّةً من مـخاطر الإيصال وخطر انكشاف الرسائل والصعوبات والعوائق في خروج رسالته إليها ووصول رسالتها إليه، مع ما تـحْمله رسالتُها من وَلَـهٍ وشغفٍ وجنونِ حُبّ، وما تـحمل رسالتُه من وصف دقيق للحياة اليومية الجهنّمية بين جدران الـمعتقَل، وللعذاب يعانيه الأسرى، وعذاب مضاعَف يعانيه العاشق الـمحرومُ من حبيبته الـمحروقُ لـهفةً للرجوع إليها.
إنها قوّةُ الحبّ التي لا مثلها قوّة. الحبّ الكبير. الحبّ الحقيقيّ غيرُ الخيالي ولا الافتراضي. انتصرَ على قهر الـــ”غولاغ” فساعد سولـجِنيتسين ثماني سنوات، وأَعان ليڤ عَشْراً، وعاد فجَمَع العاشقَ بِـحبيبته الناطرة عند الطرف الآخر من الزمن.
وأَصدَقُ الحبّ ما انتصرَ على الزمن، زمنِ الانتظار، زمنِ الـــ”غولاغ”، وكُـــلِّ زمنٍ لأَيِّ “غولاغ”.