هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

759: الحرية بين واقعية وافتراضية (2/1)

الحرية بين واقعية وافتراضية
السبت 8 أيلول 2012
-759-

بين أشرس ما يعانيه مُواطنُ الدُّول التوتاليتارية: الرقابة على التعبير والتفكير والتقرير.
إنها الـ”كافَات” الثلاث: كَـــمُّ الأَفواه، كَـــسرُ الأَقلام، كَــــبْت الحرية.
ولبنان، منذ كان، وطنُ الحريات وأرض اللقاء والحوار والانفتاح حتى ليقصده المضطهدون والمنفيُّون والمغضوب عليهم يَنشدون فيه حرية التعبير والتفكير.
غير أنّ في لبنان “سلطة رقابة” تتحكَّم برقاب الفكر والنشر والقول، كنا نعرف بعضها ونجهل معظمه، حتى طلع علينا موقع إلكتروني جريء بتوقيع “مارتْش” كشف لنا ممارسات مقصّ الرقيب الرقابي على رقاب أعمال فنية وأدبية، بينها: فيلم “الديكتاتور” لشارلي شابلن (1940)، فيلم “إنهم يقتلون الخيول” لسيدني بولاك (1960)، كتاب “سفينة حنان إلى القمَر” لليلى بعلبكي (1963)، حفلة لفرانك سيناترا (1966)، عدد “الحياة” غداة اغتيال صاحبها كامل مروّه (1966)، مسرحيات “الديكتاتور” لعصام محفوظ (1968)، “مجدلون” لـهنري حاماتي (1968)، “وصيّة كلب” لأنطوان ملتقى (1973)، “الرفيق سجعان” لجلال خوري (1974)، مشهدية “نشيد الأناشيد” بكتابة أنسي الحاج (1990)، وسواها كثير نشره موقع “مارش” عن منع الرقابة كتباً وأعمالاً مسرحية وسينمائية وتلفزيونية وتشكيلية وإذاعية في لبنان منذ 1940 بما يثير الشفقة والسخرية من رقيب في وطن الحرف والإشعاع والنور يستخدم مقصّه الزاجر بعيداً عن كل إشعاعٍ وكل نور. فمعظم الأعمال “الممنوعة” ذات قيمة أدبية ومسرحية وفكرية وفنية عالية لا يمكن التعامل معها اعتباطياً دون قيمتها الإبداعية.
إذا كان في بعض هذه الممنوعات ما يشير إلى عنصرٍ فيها، بَشريّ أو فنيّ، ذي علاقة بإسرائيل (كـمنع أفلام إليزابيت تايلور أو استيراد سيّارة فورد) ، فليس منْعُها عملاً وطنياً ولا بطولةً تحتاج إلى “منع” أو “ردع” أو مقصّ رقيب، ولا يزايدَنَّ أحدٌ على أحدٍ حول هذه البداهة في لبنان، فإسرائيل دولة عدوّة لا منذ 1948 بل من سحيق ما قبلها، ومن لا يقول هذا القول لا يستحقُّ شرف المواطَنَة اللبنانية. هذا أمرٌ محسوم.
وإذا كان في الممنوعات ما رآه الرقيب يمس بالحريات العامة أو بالأخلاق العامة، فمنْع الكتاب أو العمل الفني يزيد الإقبال عليه، وخصوصاً حالياً بعدما باتت شبكة الإنترنت مشبوكة في كل بيت وعقل ومكان.
وطنُ الأبجدية التي توزّعت على العالم أولَ أبجدية ناطقة في التاريخ لا يمكن أن يَغتالَ نُطْقَها مقصُّ رقيبٍ بحجة حماية الأخلاق العامة أو صيانة الوطنية.
علامة لبنان: حريةٌ مسؤولةٌ رادِعُها ذاتـيٌّ تلقائيّ كلَّف دماء الأحرار الأنقياء.
وللحرية في لبنان كلام آخر، أتركه للأسبوع المقبل.