هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1072: في انتظار عاميّة جديدة

الحلقة 1072: في انتظار عاميّةٍ جديدة
الأربعاء 7 تشرين الثاني 2012

“نحن المجتمعين هنا اليوم، مسيحيّين ومُسلمين، نَسألُ اللهَ الرحمةَ، ويَطلُبُ المغفرةَ بعضُنا من بعضٍ، ونُجدِّد عهدَنا، كلٌّ من موقعه الروحيّ والاجتماعيّ والفكريّ، والْتزامَنا بالأَمانةِ لرسالة العيش الواحد، والمحافظةِ على غنى التنوُّع الثقافيّ والروحيّ، واحترام المقدَّسات والرموز الدينية، واعتبارِ التضامُن الروحيّ طريقَ العودة إلى الله والذات والأرض، سائلين الله أن يَعْضُدَنا ويُوَفِّقَنا في حمْل الأمانة والشَّهادة لها” (من “الرسالة الختامية” لـ”يوم التضامن الروحي في عبيه” بعد ظهر السبت الماضي).
هذه الرسالة تعيدُنا إلى 213 سنة، إلى عاميَّة عبيه سنة 1799، وهي، كما يحدِّدُها المؤرّخ مسعود ضاهر، “كانت أَوّلَ عاميَّةٍ يجتمع فيها المقاطعجيون والفلاحون الدُّروز لاتخاذ قرارٍ بمجابهة عدوٍّ خارجيٍّ يَسعى لاحتلال المنطقة وبسْط سيطرتِه على بلاد الشام بعد احتلاله مصر. من هنا أنّ عاميَّة عبيه ليست كباقي العاميّات حركةً شعبيةً عاديةً للتعبير عن نقمةٍ على حاكم محلّيّ، أَو على فرضِ الضرائب، بل تجاوَزَت الاحتجاجَ الداخليّ إلى التنبيه على مَخاطرِ غزْوٍ خارجيٍّ داهمٍ قد يقود إلى خللٍ في البُنْية السياسية”.
من عاميّة عبيه سنة 1799 أَنتقل إلى عاميّة أنطلياس سنة 1840، وفي قَسَمها: “إنه في يوم تاريخه، 7 حزيران 1840، قد حضَرْنا إلى مار الياس أَنطلياس، نحن المعروفين في جبل لبنان المذكورة أسماؤُنا بوجه العموم من دُروز ونصارى ومتاولة وإسلام من كافة القُرى، وأَقْسمنا اليمين على مذبح القديس المرقوم بأَننا لا نخونُ ولا نُطابقُ بضرَرِ أَحدٍ منا كائناً مَن يكون، الرأْي واحد والقول واحد” وكان بين التواقيع: الشيخ فرنسيس الخازن، المير خنجر الحرفوش، الشيخ علي عمادـ، وانضم إليهم أَبو سمرا غانم، أَحمد داغر، يوسف الشنتيري، الأَميران علي وحسَن قائد بَيه، الأمير محمود شهاب، الشيخ عيسى الخوري، وآخرون.
الشاهد من العاميَّتين (عبيه وأنطلياس) ومن رسالة “اللقاء الروحي” في عبيه قبل أربعة أَيام، أنْ هذا هو لبنانُ، لبنانُ الحقيقيّ، لبنانُ الشعبِ النابض بالجذور، لبنانُ المخْلصين غير الاصطفافيين ولا المصطفّين ولا الصفوفيين ولا السفسطائيين ولا الديماغوجيين ولا المتَوَتّرين ولا الموتُورين ولا الموَتِّرين ولا الطوائفيين ولا الطائفيين ولا المدَّعين العملَ باسم الشعب من أَجل الشعب في خدمة الشعب وهم يَستخدمون الشعب ويستغلُّون الشعب ويجعَلون الشعب أَرقاماً وأَعداداً لتنفيذ مآربهم بلوغاً إلى مناصبَ ومقاعدَ نيابيةٍ ووزاريةٍ وزعاماتية.
في ختام مسرحية “ناس من ورق” يقول الأَخوان رحباني بلسان ماريّا مخاطبةً ديب زلمة الزعيم راجي: “إنتَ بتعملُّو الشعبيِّه وهوّي بيقطُف الشعبيّه… إنتَ اللي بتحملُّو الكرسي وهوي اللي بيقْعُد عَ الكرسي”.
ووسْط ما يجري اليوم من تجاذُباتٍ سياسيةٍ وتَناتُشاتٍ وطنيةٍ وإِطلاقِ تصاريحَ وتصاريحَ مُضادَّةٍ من متاريس الإذاعات والتلافيز، نتذكَّر عبارة ماريّا في “ناس من ورق”، ونستذكِر قَسَمَ العاميّات الشعبيةِ المبارَكَة، ونُطلقُها صرخةً قويةً غاضبةً في وجه المراوِغين من “بيت بو سياسه”، ونُهَدِّدُهُم، لا بالشارع الذي هُم يُهدِّدون به، بل بعاميَّة شعبيَّة تُطيح مُـخَادِعِيهم وتُبْقي مُـخْلِصيهم، فالشعبُ طفحَ قلبُه من أَكاذيبهم وَوُعودِهم وحَـمْل كراسيهم، وباتَ يَتَحَضَّر نفسياً اليوم، وربّما ميدانياً في القريب، لإِطلاقِ عاميّةٍ لبنانيّةٍ جديدةٍ تُسْقِطُهُم عن كراسيهم، وتُعلنُ فجرَ لبنانَ الجديد، تُشرقُ منه شمسُ الحقيقة التي يَسْتَحِقُّها لبنان، ويَنتَظِرُها، كثيراً يَنْتَظِرُها، شَعبُ لبنان.