هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

755: حِوار

حــِـــــــــوار
السبت 11 آب 2012
-755-

كاتَــبَــتْــهُ: “تُزْهِقُني بِـــــحَرِّها المدينةُ. سأَرتقي قمةً من جَبلٍ، أَهدأُ إليها وأَبْتَرد”.
جاوَبَها: “إذاً أَنا أَرتقي أُخرى وأَتماهى”.
لم يعرفْ إلى أَيِّ قمَّةٍ رَقِــيَتْ.
لكنه بلغَ إحدى: بَـهيَّةَ الامتداد، واسعةَ الطَّلعة، معلَّقةً في الهدوء، كأنها “صومعة القمر”.
لم يعرفْ إلى أَيِّ قمَّةٍ رَقِــيَتْ.
تَـخيَّلَها في “هناك” ما، يَحوطُها ذَوُوها وهي نائيةٌ عنهم تَحوطُ بِصَمْتِها حُباً يَعصِف في خَلَجاتها إلى مَن هو في قمةٍ ما، في عَلْوَةٍ ما، وتعرفُ أنه يَختلِجُها في شوقٍ كثير.
مَدَّ عينَيه إلى الطَّرَف الآخَر من المدى: غروبٌ يَبسطُ أَلوانه على أَهداب المسافةِ، يتناهى إليه من فُتُحات تلالٍ ووهاد، معتمراً غيماتٍ زهريةً تتقطَّر منها بقايا النقاط الأَخيرة من رحلة الشمس.
تَفَيَّأَ حَوْرةً وارفةً ليَتَّقي مطَر القمر.
جعَلَ “يَتَخيَّلُها” ويفتَكِر.
يُحبُّها ويذوب.
يُحبُّها ويشتعِل.
يُحبُّها ويَنبُض عُمرُه على نَفَسِها.
يكون ليلٌ. ويكون سَهَر. تتغامزُ في البعيد منه أَنوارُ بيوتٍ تَنْعَسُ من طَلاوَة النسيم في الجبَل.
يَكتُبُ إِليها ويَعرفُ أنها لن تقرأَ إلاّ بعد حين.
يَكتُبُ إِليها ويَعرفُ أنها، حيثُما هي الآن، تَقرأُ صمتَه وصَدى المسافة.
يَكتُبُ إِليها كي يَستشعرَ حضورَها معَه، أَمامَه، تَسمَعُ كتابتَه، تَقْرأ عينَيه الآنَ ولو من بَعِيدِها، تَشْتَمُّ حنينَه وحنانَه.
يَكتُبُ إِليها كي يَستحضِرَها في كلّ شهقةٍ من كلّ ثانية.
يَكتُبُ إِليها كي يَختصرَ الجسْر الممْتدَّ بين يَوْمه و”يَوْمِهما”.
الجسر الـمُضْني الذي يَعبُرُه يومياً بأَعصابه، وبِـحُرقة انتظارِه كلَّ يوم.
يَكتُبُ إِليها كي يَبْتَرِدَ من حُرقة انتظارِه.
حَولَه ساحةٌ وناسٌ في عيد. هَيصةٌ وفرحٌ ومُعَيِّدون تَحتَ أَضواء الساحة وَعَين القمَر.
حَوْلَه كَثيرون، وما في رفَّة عينَيه سوى حَبِيبَةٍ إحدى كثيرة.
يَكتُبُ إِليها لِيُحِبَّها أَكثر.
يُحبُّها كي يُصَدِّقَ أَنّ عُمْره مَنَحَهُ الحُبّ في أَيلُول أَيّامه.
يُحبُّها لأنه يُحبُّها لأنه يَذوقُ معها تَفَتُّحَ الـمانْيُولِيا في صَدْر الربيع.
يُحبُّها لأنه يُحبُّها لأنه يتَماهى بارتقائِها عَلْوَةً ما، خَلْوَةً ما، قمَّةً ما، ولكَي يَنْبُضَ بينهُما في هذا الليل حوارٌ ولَو من بعيد.
يُحبُّها لأنه يُحبُّها ويَكْتُبُ لها من “صومعة القمر”.
لعلَّ صومعةً ما، في آتٍ ما، تَـجْمَعُهُما فَيَتَعانقانِ نِـهائياً في عرْسٍ دائمٍ يَتَقَطَّرُ شَفَّافُهُ من ندى القمَر.