هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1058: دروسُها في القراءة والاستظهار

الحلقة 1058: دروسُها في القراءة والاستظهار
الأربعاء أول آب 2012

في برنامج التدريس الابتدائي حيِّزٌ واسعٌ لـمادة القراءة، يرفُدُها ملحقٌ بها هو الاستظهار.
إذا القراءةُ معيارُ مهارةِ التلميذ في الاطّلاع والاستيعاب، فالاستظهار معيارُ مهارةِ الحفْظ والإلقاء.
وإذا القراءةُ اكتشافُ النُّصوص أدباً وكُتُباً وكتَّاباً، فالاستظهار تمرينُ الذاكرة كي تظلّ نابضة.
أَمرٌ مشترك بينهما: البَبَّغاوية: التلميذ قد يقرأ النصَّ ولا يستوعب مضمونه لأنه قرأَه بَبَّغاوياً، وقد يلقي الاستظهار ولا يكون أداؤُه البَبَّغاويّ على مستوى فهمه النصَّ الذي يُلقيه.
تَقودني اليومَ إلى هذا الأمر ظاهرةٌ تتكرّر بشكل يوميٍّ لدى بعض المسؤولين أمام ميكروفونات الإذاعة، أو كاميرات التلـﭭـزيون، أو على منابر المؤتمرات الصحافية.
يقرأُون، يقرأُون… ويتعثَّرون، يتعثَّرون. في القراءة يتعثّرون، في الاستظهار يتعثَّرون، وفي الإجابة عن الأسئلة يتعثّرون.
كيف لا يتعثّر في قراءة نصٍّ، مَن ليس هو كاتبَه؟
وكيف لا يتعثَّر في الجواب عن سؤالٍ مَن ليس هو الذي حضَّر المادة التي يتلوها في المؤتمر الصحافي؟
وكما المعلمةُ النجيبة تتنبَّه إلى تلميذٍ يقرأ بَبَّغاوياً بدون أن يستوعب ما يقرأ، وإلى تلميذٍ يُلقي الاستظهار بَبَّغاوياً من دون أَداءٍ يدلُّ على فهْمَه النص، هكذا الجمهور اللبناني النجيب يتنبَّه إلى مسؤولٍ يُـملى عليه نصُّه أو تصريحُه، أو كُتبَ له نصُّه أو حُفِّظَ أَجوبتَه سَلَفاً. وأَقول “الجمهور النجيب” فقط، لأنَّ في الجمهور أيضاً مَن “يُطَيِّبُون” ببّغاوياً لِمسؤولٍ من فئتهم، أو لزعيمِ انتمائِهم السياسيّ يرون فيه المثال الأعلى مهما قال وأنى قال وكيفما قال.
في المادة التدريسية فرقٌ بين التلقين والإفهام: بين فرْضِ فرضٍ ليكتبه التلميذ وبين شرحِ فرضٍ ليَفهمَه التلميذ قبل أن يكتبَه.
وفي المادة السياسية فرقٌ بين التلقين والإفهام: بين مسؤولٍ يلقِّن أزلامه ما يريدُ هو أن يردِّدوه ووراءه ببغاوياً، ومسؤولٍ يُفهم شعبَه حقيقةَ الأمور بالشواهد والوقائع.
ومعظم الحاصل عندنا: إملاءٌ بَبَّغاويٌ على “جمهورٍ حبيبٍ طيُّوبٍ” لا يُجادل لأن زعيمَه جَدَل، ولا يناقش لأن زعيمَه معصومٌ عن الخطأ، ولا يستفهم لأن زعيمه يفهم عنه، ولا يَسأل لأن السؤال ممنوعٌ طرحُهُ على الزعيم الكليّ الكمال.
بعض مصيبتنا في حكومة “النأْي بالنفس” أننا لم نعُد نفهم قاموسَها: هل هي تمارس علينا فعلَ القراءة؟ أم فعلَ الاستظهار؟ أم فعلَ الإملاء؟
إن كانت تمارس القراءة، فقراءتُها معظَمُها متعثِّرٌ وستسقط في الامتحان.
وإن كانت تمارس الاستظهار، فذاكرتها قصيرة وإن كانت “شاطرةً” في تسميعها الببَّغاويّ.
وإن كانت تمارس الإملاء، فالشعبُ، في معظمه الواعي،لم يعُد يُـملى عليه من فوق، لأن معظمَه الواعي “أَشطرُ” من الحكومة، خُصوصاً في ضبط أخطاء القواعد والإملاء والقراءة ولغة مخاطبة الشعب.
بلى: الشعب الواعي معظَمُهُ، لم يعُد يقتنع بأيَّةِ حكومةٍ تُـمارِسُ عليه، ببَّغاوياً، دروسَها في القراءة والاستظهار.