هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 66
“طرابلس… الحياة”- مجموعة طلاب وأساتذة
الأحـد 13 أيار 2012

في تقليد طلاّب السنة الرابعة لفنّ الإعلانات والغرافيك والسينما في الأكاديميا اللبنانية للفنون الجميلة (الـ”ألبا”) أنْ يخصِّصوا خلال السنة الجامعية أُسبوعاً يخرجون فيه لتصوير منطقةٍ أو مدينةٍ أو ضيعةٍ في لبنان.
هذا ما قام به طوال أُسبوع كاملٍ 40 طالبةً وطالباً مِن حَرَمَي الـ”ألبا” في سن الفيل و”البلمند” توزَّعوا في شوارع طرابلس والمينا، يرافقهم أساتذة الفوتوغرافيا في الجامعة، وعادوا بحصيلةٍ وفيرةٍ من الصُّوَر غربَلَها الأساتذةُ المشرفون وأصدروها سنة 2007 في كتابٍ عن منشورات الـ”ألبا” بعنوان “طرابلس… الحياة”، في طباعة أنيقة وحجم كبير تمتدُّ فيه الصورةُ الواحدةُ أحياناً على صفحتَين إبرازاً لتفاصيلها الدقيقة، وتحت كل صورةٍ اسم الطالب أو الطالبة، تشجيعاً لهم ودفعاً لموهبتهم إلى العطاء.
هكذا ساحت الكاميرات الجامعية في أرجاءِ طرابلس: شوارعِها، أحيائِها، مساجدِها، بيوتِـها، كنائسِها، شُرُفاتِـها، مدارسِها، حماماتِـها، أسواقِها، خاناتِها، معالِـمِ حضارتها القديمة العريقة منذ الفينيقيين قبل 3500 سنة فالرومان فالبيزنطيين فالعرب فالصليبيين فالمماليك فالعثمانيين، جميعُها التقطَتْها كاميرا الطلاّب وأَظهرتْها بالأبيض والأسود أو بالألوان وفْق مزاج العين التي تصوِّر، والغايةِ من التقاط زاويةٍ ما من منظرٍ ما من لقطةٍ ما في لحظةٍ ما، حتى ظهرَت طرابلس من ثمار الكاميرات مدينةً شرقيةً بامتياز، جميلةً مغايرة، وانكشَفَت في صُوَر الكتاب وجوهٌ وأجواءُ وأجزاءُ من المدينة ودساكرُ منسيّةٌ في زوايا المدينة، وذكرياتٌ ممحوَّةٌ عن الحيطان، وتذكاراتٌ منقوشةٌ على تجاعيد وجهٍ ختيار أو مسحوبةٌ عند منديل امرأة عجوز.
أَفتَحُ الكتاب، أَتَصَفَّحُه في تُؤَدَة، تَطْلَعُ لي من مدينتنا اللبنانية العريقة مرايا تروي حكاياتٍ من أمسٍ لا يزال يُشرق كلَّ يوم، وغـدٍ يبحث عن مكانه كل يوم: هنا قبّة مسجد، هنا ولدٌ يلهو على درَج، هنا شرفةٌ تزغرد عليها باقات الزهور وقبالتُها شرفةٌ مهجورةٌ عرَّشَت عليها باقاتُ العشب البري، هنا البحر يَتَسَلْحَفُ بطيئاً ليَبُوس رمل الشاطئ، هنا مراكبُ حاملةٌ أكوامَ الشِبَاك وتنتظر وصول الصيادين إلى مغامرة البحر على ضوء المصابيح وأَصوات الحداء، هنا نسوةٌ يَتَبَضَّعْنَ من السوق، هنا محطةٌ مهجورةٌ غَلَبَها النعاس فنَسِيَتْ صوتَ صفّارة القطار، هنا أولاد يعودون من المدرسة في أزقّة المدينة، هنا صبايا يتمَشَّيْنَ عصراً على الكورنيش: عينٌ على البحر وعينٌ على خَيّالٍ يَـحملُهُ إليهنَّ البحر، هنا سوقٌ يعجُّ بالناس والخُضَر والفواكه وأفواج المآذن فوقَه والبيوت، هنا مقهىً شعبيٌّ تكاد تخرج من صورته رائحة الأراكيل وطقطقةُ السبحات بين أصابع الرجال، هنا دَرَجٌ قديمٌ ينحدر إلى ضوضاء المدينة حاملاً في درَجاته صَمتَ الأقدام عبر السنوات، هنا سطحُ منزلٍ عالٍ يطلُّ على قلعة طرابلس تتردَّد منها صيحات بربر آغا، هنا محطةُ وقودٍ هَجَرَها الوقود ولم تهجرها بعدُ لافتة “ممنوع التدخين”، هنا بائعٌ يحمل على درّاجته جبَلاً من أكياس غَزْل البنات، … وَصُوَرٌ وَصُوَرٌ تَتَتَالى حاملةً مشاهدَ من طرابلس ومناظرَ ووجوهاً وتعابيرَ وحكاياتٍ وبحراً وشِبَاكَ صيّادين وروَّادَ مَقاهٍ ومتنزِّهين بين فِرقَة الشمس وَرِفْقَة الغروب عند فقش الموج على شاطئ المينا.
كتابٌ جميلٌ هذا الكتاب: “طرابلس… الحياة”، غابَت منه النصوصُ لتحُلَّ فيه أبلغَ من كلّ نصٍّ صُوَرٌ تنضحُ بالحياة عن مدينةٍ مزهوَّةٍ بأهلِها وسكانِها الجديرين بأفضل لحظات الحياة.
الكتاب لا بُـدَّ موجودٌ في الـ”ألبا” وفي “البلمند”، وهو بين أَفضلِ ما يُمكن أن تُطْلِعَهُ الفوتوغرافيا من صوَر عن مدينةٍ تحملُ من صُوَر الماضي وعدَ المستقبل الآتي مضيئاً على صهوة الحياة.