هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1055: لحظات إصغاء

لحلقة 1055: لحظات إصغاء
الأربعاء 11 تموز 2012

حين تستقيل مفاصل الدولة عن تلبية حاجات المواطنين، يكونُ المجتمع المدني.
حين تتقاعس الدولة عن إعانةٍ أو مساعدةٍ أو دعمٍ، يكونُ المجتمع المدني.
يكون بديلاً حين تغيب الدولة، ويكون رديفاً حين تحضَر.
في مجتمعنا المدنيّ حملة مشكورةٌ بدأَت منذ شهرٍ وتستمرّ حتى هذا الأحد 15 الجاري، تحت شعار: “مستعدّين نسمع حكي”، تقوم بها المنظمتان غير الحكومِيَّتَين: “الهيئة الطبية الدولية” وجمعية “أبعاد”، بدعمٍ من “المؤسسة العربية للحرية والمساواة”.
والحملة: إتاحةُ اتصالِ أيِّ مواطن على رقمٍ خَلَوِيٍّ منشور، وإفراغُ ما في قلبه وعقله وشعوره وأعصابه من غضبٍ، على مسمع طبيبِ أعصابٍ أو خبيرٍ سيكولوجي يُصغي ويجيب بما يهدِّئُ فَوَران الغضب لدى المتّصلين. وتوسَّلَت الجمعيتان لأجل ذلك وسائطَ إعلاميةً عدةً: إعلانات إذاعية وتلـﭭـزيونية، لوحات إعلانية كبيرة في شوارع وأحياء تحفل بالشباب كالمطاعم والحانات والجامعات، كليـﭙـات على الـ”يوتيوب” والـ”فايس بوك”، بروشورات موزَّعة في الصيدليات والمجمَّعات الطبية والاجتماعية والمستوصفات في بيروت الكبرى لبلوغ أوسع مساحةِ محتاجين في صفوف الشباب والرجال. وعن إحصاءات الجمعيّتين أنّ زوّار الـ”يوتيوب” فقط بلغوا منذ انطلاق الحملة قبل ثلاثة أسابيع: 1650 مواطناً، 90 منهم اتصلوا بالرقم الخَلَوي، و18 منهم قصدوا مركز الجمعية في فرن الشباك للعلاج المباشر الشخصي غير الهاتفي، مدفوعِين بعاملَين: الكتمان في استقبال المواطنين، ومجانية المعالجة السيكولوجية.
وتهدف الحملة إلى أمرين الأول، تخفيف شُحنات غضبٍ لدى بعض الرجال تجاه محيطهم العائلي أو القريب أو الوسيط تؤدي بهم إلى العنف الكلامي أو الجسدي في حالات ضغط نفسي أو جسدي أو إرهاق أو انفعالات حادة. والأمر الآخر مساعدةُ الغاضبين على كيفيّة التحكُّم بأعصابهم عبر إرشادهم إلى بدائل تجعلهم يراقبون تصرُّفاتهم، ويَضبُطون أعصابهم، ويكبَحون انفعالاتهم، ويتصرفون بما يُـجنِّبهم الانفعالات العدوانية.
معظم الذين تقدَّموا إلى المركز، أو اتصلوا على الرقم الخَلَوي، يعانون ضغوطاً عائلية أو اقتصادية أو نفسية أو مالية، يتَّصلون بالمركز قبل أن يبلغوا في انفعالاتهم نقطةَ لارجوعٍ يرتكبون معها حماقاتٍ انفعاليةً لن ينفعَهُم بعدها الندم. لذا يصغي إليهم في المركز معالجون سيكولوجيون: بالرويّة، وتوعيَتِهم على الأسباب التي أدّت بهم إلى حالات العنف والغضب، وعلى طرقٍ تُـجَنِّبُهم ارتكابَ ما عليه يندمون، منها الحوار مع الآخر عوض صَبِّ الهجوم الغاضب عليه كلامياً أو جسدياً، ومنها مزاولة الرياضة، وبدائل أخرى يُسديها المصغي على الطرف الآخر من الهاتف، أو لدى مركز الجمعية في فرن الشباك.
إنه العلاج النفسي الذي كم يسْعى إليه مُـحتاجُوه لدى عيادات الطبّ السيكولوجي، صارفين عليه مبالغ أحياناً كبيرة كي يَـخرجوا من حالاتهم، فإذا بهذا “المركز” يقدِّم المعالجة مَـجانيةً، سريةً شخصيةً لا إفشاء فيها لاسْمٍ أو حالة، ما إلاّ لمساعدة المواطنين للسيطرة على أعصابهم والتحكم بها، فلا يقترفون عُنْفاً كم نَـجِدُهُ بيننا وحولَنا لِـما في مُـجتمعنا من أعصابٍ مشدودة وآمال مردودة وصدمات مَـمدودة ونتائج غير مَـحمودة تتلقَّف الدولة أحداثها ونتائجها وكوارثها وليس لديها علاجٌ مسبقٌ أو وقايةٌ استباقية.
هكذا تَـجنَّدَ مُـجتمعُنا المدني للإصغاء، فقط للإصغاء فالمعالجة، وَرُبَّ حالاتٍ مستعصيةٍ لا تَتَطَلَّب حلولُ معالَـجتِها إلا فقَط: لَـحَظاتِ إِصغاء.