هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1050: الجميلة والوحش

الحلقة 1050: الجميلةُ والوحش
الأربعاء 30 أيار 2012

المجزرةُ التي روَّعت بلدة الحولة السورية وارتجَّ لها العالم، توزَّعَت ردودُ الفعل عليها بين مَن “حذَّر”، ومَن “استنكَرَ”، ومَن “استهْجَنَ”، ومَن “دان”، ومَن “أَسِفَ”، ومَن “نَدَّدَ”، ومَن “دقَّق”، ومَن “أَحصى”، ومَن “أَبدى”، ومَن “دعا إلى”، ومَن “استغرَبَ”، ومن “أَعرَبَ عن”، … وبين الإعراب والاستغراب والاستعراب والإعريراب، طلعَ الصباحُ على أَكثر من 100 صريعٍ بينهم أولادٌ دون العاشرة مطحونو الجماجم مهشَّمو الوجوه والأشلاء. وبقيَتْ ردودُ الفعل لفظيةً عن بُعْد، استهجانيةً عن بُعْد، تنظيريةً عن بُعْد، لا تدبيرَ عربياً أو دولياً عن قُرْب يشير إلى إجراءٍ عن قُرْب يحول دون مجزرة أخرى عن قُرب تتكرَّر قُرْب منطقة أخرى.
وظلّ الدفاع عن الإنسان وحقوق الإنسان وحياة الإنسان في مَهَبّ التنظير اللفظي عن “انتهاك حقوق الإنسان”.
ولكنْ… على بُعدٍ آخر، وفي مجالٍ آخر غيرِ إنسانيّ ولا بَشَريّ هذه المرة، كان صوتٌ آخَر يدافع عن حقوق… الحيوان.
“هُنا” ليس من يُدافع عن الإنسان، و”هُناك” مَن يُدافع عن الحيوان.
في الــ”هناك”، نقلاً عن جريدة “فرانسْ سْوارْ”، أَنَّ فاتنة السينما الفرنسية في الستينات الممثلة الشهيرة بريجيت بارْدُو أَرسلَت كتابَ احتجاجٍ صارماً إلى رئيسة البرازيل ديلْما روسّيف تَدين فيه “المجزرة الحيوانية بالقضاء على الحمير التي تُنشأ وتربّى لكي تنتهي في مختبرات الصين لأغراض معيّنة”. وجاء في الرسالة: “من خلال حُبيَ البرازيلَ وتقديري جهودَكِ السياسية، أَجدُني ثائرةً غاضبةً لرؤيتيَ بلادَكِ تتواطأُ مع الصين على نَـحْـر 300 ألف حمار كلّ عام وليس مَن يتحرّك. كيف يمكنكِ، أنتِ الرئيسةُ والمرأة والكائن البشري، أَن تقبلي بهذه المجزرة البربرية، وهذه العودة إلى الوراء، إلى التَّخَلُّف الذي يؤْذي عميقاً صورة البرازيل في العالم الحضاري؟”.
رئيسة البرازيل تلقَّت الكتاب من “مؤسسة بريجيت بارْدُو لحماية حقوق الحيوان”، ووعدَتْ بأن تعيد النظر في موضوع نحرِ الحمير وتصديرِها إلى الصين.
ولم تكتَفِ بريجيت بارْدُو بذلك، بل ما إن تولّى فرنسوا هولاَّند رسمياً رئاسة فرنسا، حتى لاحقَتْهُ بكتابٍ تحذيريٍّ دعَتْهُ فيه إلى اتخاذ قرارٍ سريعٍ يمنعُ به اغتيالَ الذِّئاب في فرنسا، ويُلغي قرار وزيرَي البيئة والزراعة السّماح بقتْل أَحد عشر ذئباً فقط في العام، لأنّه قرارٌ يناقض “الستراتيجية الوطنية للتنوُّع الحيواني”.
وأَكثرَ بَعد: وجَّهت بريجيت بارْدُو كتاباً عاجلاً إلى نيكولّ بْرِيك، الوزيرة الجديدة للبيئة في الحكومة الجديدة، طالبتْها فيه باتخاذ قرارٍ وزاريٍّ عاجلٍ يُتيح لقطعان الغنم مساحاتِ رَعْيٍ أَوسَعَ في الجبال خلال شهر آب الذي فيه يَنبُت العشب وفيراً على منبسطات الجبال اللطيفة الهواء فترعى الأغنامُ أَكثر، قبل أن يدهمها البرد فيُرغمَها على النزول إلى السواحل والسهول.
هذا هو المشهد بين الــ”هنا” والــ”هناك”:
هنا مجزرةٌ بشرية يتابعُها مراقبون دُوَليّون”يأسفون” و”يدْعون إلى” و”يُعربُون عن”، وهناك دفاعٌ عن الحمير والذِّئاب والأغنام.
هنا انتهاكٌ حقوقَ الإنسان الذي تُهَشَّم أَشلاؤُه قبل حقوقِه وليس مَن يَصرُخ لوَقْف موته، وهناك احترامٌ حقوقَ الحيوان وثمة مَن يَصرُخ لوقْف موتِه وتوسيع مساحة الحياة أمامه.
هنا عجْزٌ في سْتراتيجية الدِّفاع عن الإنسان، وهناك جِدّيَّةٌ في سْتراتيحية الدِّفاع عن الحيوان.
أَيُّها الــ”هُناكَ” البعيدُ البعيد: متى حَضارتُك تَبلغُ هذا الــ”هُنا” فَيَتَساوى، على الأَقلّ، إِنسانُنَا بِـحَيَوَانِك؟