هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1045: في “خدمتها”

الحلقة 1045: في “خدمتها”
الأربعاء 25 نيسان 2012

السوﭘـر ماركت مُكْتَظٌّ كالعادة بالزبائن يزدحمون بين الأجنحة الضيِّقة يختارون حاجاتهم ويضعونها في عربة الأغراض.
بين الجَمْع سيدةٌ تتحدَّث من الخَلَويّ تحملُه بيُمناها، وتُشير مومِئَةً بيُسراها إلى الأغراض التي تحتاجها عن رفوف الأجنحة.
تُشِير لِمَن؟؟؟ لخادمتها؟ لا. لابنها؟ لا. لموظف السوﭘـر ماركت؟ لا. وإنّـما لشابٍّ عَتْلِيْتٍ يـجُرُّ وراءها عربة الأغراض، يلُمُّ عن الرفِّ ما تأمره به الـ”مَدام” ويضَعُه فوق الأغراض في العربة، والـ”مَدام” مشغولةٌ، منهَمِكَةٌ، مسترسِلَةٌ في حديثها الهاتفي الخَلَوِيّ.
طبعاً، لا شأن لنا في خُصوصيّات الناس: ما يفعلون، مَعَ مَن يتعاونون، ومَن يَستَخدمون.
ولا دَخْلَ لنا في أَن يكون تحت أَمر تلك الـ”مَدام” شابٌّ عَتْلِيْتٌ يـجُر العربة وراءها ويأتمر بأوامرها. لكنّ الأمر يَبدأ يعنينا حين يكون هذا الشابُّ غير مدنيٍّ، يرتدي بزّته المرقَّطة، ويحمل في حزامه مسدسه الفرديّ الــيُفْتَرَض أنه يحملُه لـمَهامّه غيرِ المدنية: أمنيةً أو عسكريةً أو في ساعات الخدمة الفعلية الميدانية.
ونفهم أن يكون ذاك الشابّ غيرُ المدنـيّ سائقاً أو مُرافقاً سَيِّدَه غيرَ المدنيّ فيكونُ عندئذٍ ضمن ساعات خدمته الوظيفية.
أَما أَن يكون هذا الشابُّ تلقَّى تدريباتِهِ النظاميّةَ سنواتٍ، وتقاضى رواتبَ شهريةً من خزينة الدولة – أي من أموال الشعب العامة -، وينتهي به الأمر إلى أَن يكونَ خادم الـ”مَدام” المشغولةِ بحديثها الخَلَوِيّ، وتأْمرَه بإيماءةٍ فوقيةٍ أن يضعَ مشترياتِـها في عربة أغراضٍ يـجُرُّها وراءَها طائعاً، منصاعاً، مُنَكَّسَ الرأس عكسَ ما هي هيبَتُهُ العسكريةُ الجميلة، فأمرٌ لم يَعُدْ من الخصوصيات بل من العامّ الذي كَم نراه منتَهَكاً هذه الأيام: سياسياً وأَمنياً وإِدارياً وعلى سائر المستويات.
هذا الذي جرى في السوﭘـر ماركت ليس أَمراً خاصاً لا دخْلَ لنا به، بل شأْنٌ عامٌّ يَـخُصُّ كلَّ مواطن.
إنّ لنا احتراماً عالياً وتقديراً مُـمَيَّزاً واعتزازاً فائقاً بشبابنا الذي يقومون ليلَ نهارَ بخدمة الشعب من خلال مهامِّهم الأمنية والعسكرية، فَهُمْ حمايتُنا وَهُمْ درعُنا وَهُمْ أَمانُنا وَهُمْ آخرُ خَطِّ دفاعٍ عنّا ضِدَّ كلّ اعتداءٍ على كرامتنا. وكُلُّ فردٍ من قِوانا الأمنية ابنُنا وأَخونا وصديقُنا وعزيزُنا الذي نحافظ عليه. أَما أَن يتحوَّلَ إلى خادمٍ للـــ”مَدام”: يجُرّ عربةَ أَغراضها في السوﭘـر ماركت، ويكون عَتّالها في نقل الأغراض إلى سيارتها، ويقود سيارتها في حينَ مهمَّتُهُ أَن يقودَها لسيِّده غيرِ المدني، فهذا أمرٌ فيه تطاولٌ على كرامة هذا الشابِّ غيرِ المدنيّ، وعلى كرامة الشعب المدنيّ الذي من ماله تَدفعُ الدولةُ رواتبَ الموظّفين وتكاليفَ تدريباتهم من كلّ نوع.
إنها حالةٌ شاذَّةٌ نافرة أَياً تكُن ظروفُها، نأْملُ ألاّ تصبحَ سابقةً كي لا تَتَعمَّمَ وتتكرَّر، لحِرصِنا على هَيبَة شبابنا في خدمة وطنهم.
شبابُنا في الخدمة العسكرية تَدَرَّبوا وتخرَّجوا كي يجُرُّوا الشَّرَّ إلى مقبرة الشّرّ، لا كي يجُرّوا عربة الـ”مَدام” إلى سيارة الـ”مَدام”.
شبابُنا في الخدمة العسكرية تَدَرَّبوا وتخرَّجوا كي يحمِلوا سلاحَهُم في أوقات الخدمة، لا كي يحمِلوا سلاحَهُم بين زبائن السوﭘـرماركت.
شبابُنا في الخدمة العسكرية يقبضُون رواتبَهم كي يكونوا في “خدمتها”. والـ”ـهَا” هنا: خدمة “البلاد” لا خدمة “مدامة” الأسياد.
وما دام القانون يحَظِّر على “مَدامات” البيوت استخدامَ العنْف مع خادماتهنّ الأَجنبيات، فأَحرى بهنَّ أَن يتنبَّهْن فلا يستخدَمْن شبابنا البُسَلاء لِمهامّ السوﭘـرماركت.
وإلاّ فالسَّلام على كرامة الثوب المرقَّط إن كان سينتهي خادماً روبوتيّاً وراءَ الـ”مَدام” بين أجنحة السوﭘـرماركت.