هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1040: الـ”لا بُدَّ منه”: نهاية التحقيق

الحلقة 1040: الـــ”لا بُدَّ منه”: نـهايةُ التحقيق
الأربعاء 21 آذار 2012

يَسقُط ثلاثةُ شبان تلامذة قتلى في بْـحِنّين تحت ردم انهيار حائط في مدرستهم، فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
يَسقُط مبنى غيرُ مكتمل في طبرجا فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
تَسقُط بنايةٌ هرمة في فَسُّوح الأشرفية فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
يَسقُط الرعب في قلوب الناس من موتٍ ينتظرهم في لحوم فاسدة وأسماك فاسدة وأجبان فاسدة وخُضَرٍ فاسدة ودجاج فاسد، فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
تَسقُط مادة حمراء في نهر بيروت فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
تَسقُط صبية تحت فأْسِ مجرمٍ في ساحل علما فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
يَسقط رجل دين في البقاع بين أيدي قراصنة أهانوه وسلبوه وهدّدوه، فتُبادرون إلى فتح تحقيق.
عاااااااااااااال. ممتاز. عظيم. يعطيكم العافية. لا بُدَّ طبعاً من فتح التحقيق عند وقوع الجرم. ولكن ماذا بعد؟
ما مصير التحقيق؟ وهل المهم فتْحُ التحقيق أَم إقفالُ التحقيق ومحاسبةُ المجرم وتقديـمُه إلى مقصلة العدالة؟
هل يكفي تضامنُكم العاطفي وتأَثُّرُكُم الإنساني وتعازيكُم ومشاركَتُكم النفسية مع ذوي الضحايا؟
هل يكفي تصريحُكم للإعلام أنكم أَوعزتم إلى المسؤولين المحليين متابعةَ الموضوع واكتشافَ الأيدي الأثيمة؟
هل يكفي تشديدُكم على المرؤوسين، وتـحميلُهم مسؤولياتٍ ليست دائماً من مهامهم؟
هل يكفي اتخاذُ التدابير اللاحقة لأنكم لم تتخذوا تدابيرَ احترازيةً استباقيةً تنقذ المواطن قبل وقوع الكارثة وتوفّر عليكم عبارات الأسى واللوعة والتضامن والشعور مع أهل الضحايا؟
تاركون المواطنين في العراء، وتتحسّرون على فقدانِـهم بيوتَـهم !
تاركون المواطنين عُزَّلاً أمام الأمن الأمني والأمن الغذائي والأمن الاجتماعي والأمن السكني، وتتحدّثون عن كرامةٍ نزعتموها منهم مثلما مراكِزُكُم نزعَت عنكم الحياء.
تاركون الوطن ينهار كحائطِ دعمٍ غيرِ مدعومٍ، وتتأسفون على قتيلٍ غير مدعوم، وتـحْمُون المواطن المدعوم.
فَتْحُ التحقيق بَداهةٌ لا بُدَّ منها، لكن الــــ”لا بُدَّ منه”: نهاية التحقيق.
وحدها نهايةُ التحقيق ومعاقبةُ المرتكبين عَلناً وقَسْوةً تُطَمْئِنُ المواطن أنه في دولةٍ تحميه لا في مزرعةٍ عشائريةٍ ذاتِ سلْطةٍ تتناهش الوطن غِيتُوَاتٍ طائفيةً ومذهبيةً ومناطقيةً ومحسوباتيةً وسياسية، ودومينو يُـمْسِكُ حجارتَه زعماءُ معدودون يتحكّمون بـمَصير الوطن والمواطن، ولا يرجو منهم المواطن بصيصَ أَملٍ أَو أَمان.
أيها الـ”أنتم”، أنّى كنتم، أنى أنتم، مهما كنتم: “الربيع العربي” الذي يَنقَضُّ على الحكّام التوتاليتاريين، لن يبقى تظاهراتٍ غاضبةً في الشوارع لتغيير النظام، بل سيرتدُّ على كلّ مسؤولٍ فرديٍّ يَرتَعُ في بيته، ويتأَسَّف من بيته على كارثة، ويتضامنُ من بيته مع ذوي ضحايا.
إن الربيع الحقيقي سيُسْقط المسؤولَ غيرَ المسؤول، ولن يَتركَ له عندها وقتاً لــ”يُوعِزَ بفَتْح تحقيق”، لأن التحقيق الحقيقي يكون حقَّقه المواطن في تـحقيق انتقامه من المسؤول اللامسؤول! وعندها يتحقَّقُ، عَمَلياً وميدانياً، زمنُ الغَضَب والتَّغيُّر.