هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1039: المواطنُ يُريد أن يعرف

الحلقة 1039: المُواطنُ يُريد أَن يعرف
الأربعاء 14 آذار 2012

حين تحدّثتُ في حلقة الأربعاء الأسبق عن نهر بيروت الأحمر، لم يكُن هَمّي أَن أتوجّه باللوم إلى وزير البيئة تحديداً أو إلى وزارته عموماً، تحقيقاً مني لسَبَقٍ إعلاميّ، أو تركيزَ بصمةٍ على هِنَةٍ وقعَت فيها الدولة، وما أكثر هِناتِـها!
كان هَمّي واضحاً في تلك الحلقة ومحصوراً في نقطة واحدة: المواطن يريد أن يعرف كم ينتظر حتى تَصدر نتائج التحقيق في هذا الأمر، حتى يرى المسؤول يواجه قسطه من المحاسبة أو المعاقبة.
وصادف أن عقد وزير البيئة مؤتمراً صحافياً بعد يوم واحد من حلقة الأربعاء الأسبق وأرسل لي نسخة عن نص ذاك المؤتمر.
في قراءةٍ متأنية ذاك النصَّ، وبعد اعتذار الوزير عن “التأخُّر في إعلان نتائج الفحص المخبري لعدم تَوَفُّر مختبر يؤمن التحاليل المطلوبة (؟!؟)”، تبيَّنَ، قال، أنّ تلك “المياه آتية من مجرور رئيسي يصبّ في مجرى النهر، وأن تلك الصبغة الحمراء غيرُ مُضرَّة بالبيئة، وخاليةٌ من مادة الكْروم السادس (Chromium VI) ، وأنّ المعادن الثقيلة في هذه المادة لا تشكّل خطراً على الصحة العامة”.
وسطّرت الوزارة كتابَين: إلى وزارة الطاقة (سلطةً مسؤولة عن مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان ومَـجاريرها)، وإلى مجلس الإنماء والإعمار (لتزويد الوزارة بخرائط شبكة المجارير).
عال. مُـمتاز. وماذا بعد؟ المواطن القلِقُ هذه الأيام بسبب ما يجري في الوطن: يَسمع صباحاً عن انهيار مبنى أو اكتشاف لُحومٍ فاسدة، ويَسمع ظهراً عن عملية سطو على كنيسة أو صيدلية، ويَسمع مساءً عن جريمة قتلٍ ضحيَّتُها صبيةٌ أو صاحب متجر أو صيرفي، ولا يعود يعرف ماذا جرى وماذا حصل وإلى أين بلغت نتائج التحقيق وما كان عقاب المسؤول عن الـجُرم.
هذا المواطن ليس هَـمُّهُ أن يَعرف ما هي مادة الكْروم السادس، أو أن يكتشف أنّ المعادن فيها لا تضرّ بالصحة العامة ولا بالبيئة اللبنانية التي لم يَبْقَ سرطانٌ في داخون معمل الزوق أو في معمل شكا أو أشباههما إِلاّ وينفثُ موته في صدور المواطنين.
المواطن يريد أن يعرف مَن هو المسؤول. ومتى يحاسَب هذا المسؤول. ووراءَ مَن يتلطّى هذا المسؤول. وهل سَيَتَلَفْلَفُ مَلَفُّه التفافاتٍ لولبيةً مدوِّخةً ثم يلتَفّ لَفّاتٍ دهليزيةً ويضيع في خزانة عتيقة من دائرة عتيقة فيُحبَسُ الملَف ويبقى الجاني طليقاً؟
المواطن يريد أن يعرف هل هو في غابةٍ، أَم في أدغالٍ، أَم في دولةٍ تُتابع وتُلاحق وتُـحاسب وتُعاقب، حتى يطمئنَّ إلى أنّ أولاده لن ينقصوا اليوم، ولن يَهْجُروا غداً، ولن يُهجَّروا ذات يوم!
المواطن يريد أن يعرف أنّ له في دولته سقفَ حمايةٍ يقيه فيه قضاؤُها، ويحميه قانونُـها، ويعاقِب المخالفين نظامُها.
المواطن يريد أن يعرف إلى أين وصلت وزارة البيئة في تحركُّها؟ وماذا جَنَتْ؟ صحيح أنها سَطَّرَت ذينَك الكتابين، لكنّ المواطن يريد أن يعرف متى تُفيدُ وزارة الطاقة عن شبكة المجارير، ومتى يجد مجلس الإنماء والإعمار خرائط الشبكة إن لم تكن لدى وزارة الطاقة.
المواطن يريد أن يعرف كم “دهراً” تحتاج وزارة الطاقة كي تجد الخرائط، وكم “زمناً” يحتاج مجلس الإنماء والإعمار كي يُرسلها.
لكنّ هذا المواطن الذي يريد أن يعرف، يخشى أن تضيع القضية بين وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار، وأَن تنتظر وزارةُ البيئة مادةً أخرى تسيلُ في نهر بيروت لتسارع إليها فتكتشفَ مُـجدداً أنها، والحمد لله، خاليةٌ من مادة الكْروم السادس.