هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 55
“من ذاكرة بيروت”- عُمَر زَين
الأحد 26 شباط 2012

في 644 صفحةً من الحجم الموسوعي الكبير، جَـمَعَ المحامي عمر زين (الأمين العام لاتحاد المحامين العرب) ملامحَ وَضَّاءةً في كتابه “من ذاكرة بيروت”: عائلاتٍ عريقةً، وأعلاماً وأئمّةً وعُلَماءَ خلَدوا في تاريخ لبنان، ومعالِـمَ بعضُها غاب والآخرُ لا يزال شاهداً على العصر والمكان.
يعترف المؤلف منذ البداية أنه كتب عن بيروت “كي تبقى لبيروتَ قِيَمُها وروحُها، ولِـحمايتها مِـمّن يُـحاولون تغييرَها في اتّجاه المذهبية والتعصُّب والانعزال والفساد والمفْسِدين، ونُكرانَ تاريخ العاصمة وجغرافيا الوطن”.
من مراجعَ قديمةٍ استقى المؤلّف مصادر نصوصه، ومن مَـخطوطاتٍ قديمة، ومن وثائقَ تأنّى في جَـمْعها وتبويبها وتنسيقها لتخرج أنيقةَ العرض عن بيروت عُموماً، وحَيّ البسطة خُصوصاً: شوارعَ وأحياءَ وسِيَراً وعاداتٍ وتقاليدَ وواقعاً فكرياً وسياسياً وإدارياً وثقافياً واجتماعياً وتعليمياً وتربوياً وصحافياً ومهنياً وصحياً وفنياً، منذ 1877 حتى ستينات القرن الماضي، مضيئاً على دور بيروت وأبناء بيروت في التحرير والاستقلال، وفي تعزيز الثقافة والعلم والقانون والتربية والفقهَين الأدبِـيّ والدينيّ، وفي إغناء المكتبة اللبنانية والعربية والعالَـمية بكتُبٍ ومَـجلاّتٍ وصحُفٍ، إلى دور بيروت الرائد عربياً في نهضة فنية وموسيقية وغنائية ومسرحية وروائية عرفها القرن الماضي مواصلاً مطالعها ومَشاعلَها من القرن التاسع عشر.
تَـخرُج بيروت من هذا الكتاب عروساً على بَهاءٍ وجمال، صوتَ الشرق العربي في الدفاع عن العدالة وحقوق المظلومين، وفي رفْد المنطقة العربية برجالٍ علّموا الشرق كيف يكون استلال الحريّة من أَشداق الظُّلْم مهما طغى وبغى، وبمعالِـمَ جعلَت بيروتَنا الغالية مستشفى العرب وجامعتَهم ومدرستَهم وصحيفتَهم ومطبعتَهم وناشِرةَ تراثهم من كل قُطْر وإبداع.
ويـَخرج القارئ من هذا الكتاب فَخوراً ببيروت بلاده، وعاصمة وطنه، ولؤلؤةِ أرضه الخيّرة، مُبارِكاً كلَّ حِقْبةٍ من تاريخ لبنان كانت فيها بيروت حلْمَ قاصديها من دول المنطقة، وفيها دائماً لبنانُ قمرُ الشرقِ المضيءُ ليلُهُ على ظلُماتٍ كَشَحَتْها بيروت وعلّمت الشرق العربي كيف يكْشَحُها عن أرضه وشعبه وتاريخه.
بالصوَر والخرائط والوجوه والمنازل والشوارع والأمكنة والمساجد والكنائس والعمارات والقصور والساحات والروايات والقصص الحية من أَصحابها أو أهل أصحابها، رسم المؤلف في اثني عشر فصلاً مكوّنات الأماكن والأشخاص والعائلات والنضال والمظاهر الشعبية والعقارات والعادات والتقاليد والأحياء البسطاوية، حتى لَـهْو تاريخُ حيٍّ من تاريخ مدينة ليست عاصمةَ وطنٍ وحسْب، بل عاصمةُ عراقةٍ من الأمس انهدلَت إلى الحاضر كي تحفظ للآتي من الأيام إرثاً عرف أبناؤُه كيف يُـحافظون عليه، وكيف ينقلون شعلتَه جيلاً بعد جيلٍ إلى أبناء بيروت والوطن كلِّه، من هذا اللبنان الذي عند فواصلِ كلِّ دسكرةٍ فيه وكلّ مدينةٍ وكلّ قريةٍ وكلّ حيّ، قصصٌ وحكاياتٌ ووجوهٌ وذكرياتٌ لا يتَّسع لها سِفْرٌ ولا يَـحصُرُها كتاب.
كتاب المحامي عمر زين “من ذاكرة بيروت” صادراً عن “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، سِجِلٌّ مرجعي مُوَثَّقٌ لعشرات العائلات البيروتية والبسطاوية، وُجودُه في المكتبة الخاصة والعامة ضوءٌ على بيروتنا الغالية، يُعاد إليه عند كل بحثٍ عن عَلَمٍ من بيروت، أو واحةٍ من بيروتَ الواحة التي تـَجَمَّعَت عليها نيرانُ الحسَد فلم تُـحرقْ منها سوى طَرَفٍ مُوَقَّتٍ من فستان العرْس، ولم يَـحترقْ – ولن يَـحترق – وجهُ العروس.