هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 48
“بيروت في نبض الحركة”- مجموعة كتّاب
الأحد 8 كانون الثاني 2012

بالصُّورةِ الأبلغِ من كلِّ كلام، وبالأبيض والأسود الأرَقِّ من كُلّ لونٍ للتعبير عن اللحظة الحاسمة، وبالإخراج الأنيق اللائق بِمضمونٍ أنيق، أَصدرَت وزارةُ السياحة كتابها الجديد “بيروت في نبض الحركة”، وتلَت غلافَه الأوَّلَ عبارةٌ مُكْمِلةٌ على الغلاف الأخير: “بيروت في نبض الحركة – بيروت في نبض العاطفة… ربعُ قرنٍ من نكهة بيروت بين 1950 و1975 بكلّ ما في تلك السّنوات اللَمَّاحة من نوستالجيا وشوقٍ وتوقٍ وانتماءٍ خلف جدران الزمن. إنه صوتٌ فاتنٌ من الماضي”.
صُوَرُ الكتاب مأخوذةٌ من أرشيڤ وزارة السياحة العائد إلى نصف قرنٍ مضى، طرَّزَتْها نُصوصٌ شاعريةٌ جميلةٌ بينها: قبلة نزار قباني لـ”ستّ الدنيا”، وشغَف ناديا تويني بعظَمة بيروت التي “كلُّ كلمةٍ فيها عنوانُ فَخَار”، ومَحمود درويش الذي باح بأن “بيروتَ خيمتُنا ونَجمتُنا الوحيدة”، وأمين الباشا المعترف بأن “بيروت مَجنونة بِجمالها”، وكلير جبيلي التي تزاول “الكتابة عن بيروت كي نسمعها تعود إلى الحياة”. وفي هدَف الكتاب أنّ “بيروت في نبض الحركة – بيروت في نبض عاطفتنا”، وأنَّ “روحَ بيروتَ النابضةَ بالحياة هي التي بقيَت عبر العصور وتَحدَّت الأيام الصعبة حتى بلغْنا اليوم هناءةَ العيش فيها. هكذا، بفضل الذين عاشُوا في بيروت والذين يعيشُون اليوم فيها والذين راحوا، انْبَنَتْ مدينة بيروت يوماً بعد يومٍ بروح شعبها. ولذا لا يُمكن أيةُ قوةٍ أن تُدَمِّرها”.
بهذا الإيمان العميق تتهادى صفحاتُ هذا الكتاب الجميل عن بيروتَ الساحرةِ، زهرةِ الـ”لوتس” الفريدة التي تُولَد وتَعود فتُولَد من جديد: خارج الماء، خارج النار، خارج الرمل، وتتسامى وتتسامق وتتأَنَّق وتَغوى بِما فيها من صدْرٍ عابق بالتاريخ المضيء، وبِحاضرٍ يُخاصِرُ أحدث المدنيّات في أَعرق المدن والعواصم.
تتوالى صُوَرُ الكتاب، بالأبيضِ والأسودِ النُّوستالجيِّ المذاق، مُعيدةً إلينا بيروتَ الخمسينات والستينات، من شوارعها وأسواقها وبَحرها وكورنيشها وصيادي السمك ومقهى الحاج داود وطابع عين المريسة والرملة البيضاء والروشة والمنارة، إلى ساحة البرج بتمثال شهدائها وشوارعها المعجوقة بالناس والباصات والمرسيدسات العتيقة وصالات السينما والأرصفة والبيّاعين والمصارف وعجقة السير والزمامير والأسواق بين سوق الصاغة وسوق الخضرة وسوق السمك وسوق البزورات وسوق النورية وسوق الطويلة والمقاهي الشعبية، إلى شارع الحمراء وأناقة طلَّته ومقاهي أرصفته والـ”هورسْ شو” وروّاده الفنانين والشعراء، إلى حرش بيروت وبياعي الكعك والنمُّورة والمعلل وميدان سباق الخيل، إلى قصر بسترس وحفلات الـ”فينيسيا” الدّولية وهيبة الـ”سان جورج” ونادي يُخُوته، إلى البيوت التقليدية العتيقة بقناطرها ومَنْدَلوناتِها وأدراجها المزْهرة وواجهاتِها العالية، وقصورٍ من أيام العِزّ الذي كان ولا يزال عند ظلال الشجَر أو تَحت ريف القرميد، إلى المتحف والمطار والمرفأ والحمّالين السُّمر والبواخر الحاملة من البحر والحاملة إلى البحر، فالمدينة الرياضية ومبارياتِها الدولية، إلى سهرات بيروت ونواديها وحاناتِها وباراتِها وأحيائها وجامعاتِها ومدارسها وكنائسها وجوامعها، إلى بَحر بيروت ورمله الذهبيّ الناعم وأمواجه الدافئة التي تغمر السابِحين والسابِحات بِمناخٍ من بيروت الحب والحنان والحنين.
وينغلقُ الكتابُ على صورةِ مُصَوِّرٍ ختيار غَفَا تَحت قُبَّعَتِه على درابزين الشارع تاركاً لكاميراه العتيقة تلتقط آخر جملة تقولُها الشمس قبل أن تنسحب عن شَطّ بيروت.
أهو كتابٌ هذا الذي نَحن إليه؟ أَمْ رحلةٌ رائعةٌ إلى مدينةٍ رائعةٍ في حركةٍ دائمة ونبْضٍ دائم يتجَدَّد فجراً بعد فجر، وليلةً بعد ليلة؟ فبيروت لا تنام، باقيةٌ سهرانةً على أَهلها الطيِّبين بعَراقتِها، وسكانِها الهانئين بِهَيْبَتِها، وسيّاحها الراتعين بِجمالها، تُشرق عليهم شَمسُها بفرح الحياة، وحين يَعْذُبُ ليلُها تَسهَرُ عليهم نَجمةُ بيروت التي تَنبُضُ بالحُبّ وتَفيض بالحنان وتَشُعُّ بالجمالِ وجهاً وقلباً وصوتاً، وحُضوراً يَجعل من بيروت قِلادةً لؤلؤيةً نادرةً على صدر المتوسط.
شُكراً لوزارة السياحة على هذا الكتاب، ضوءاً لِلُبنان جميلاً أنيقاً ساحراً لا تقوى عليه، ولن تقوى، جميعُ قوى الظَّلام.