هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

721: … والمقاومة بالثقافة أيضاً

… والمقاومةُ بالثقافة أيضاً
السبت 26 تشرين الثاني 2011
-721-

هذا الثلثاء (29 الجاري) هو “اليوم العالَمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني” كما أقرَّتْه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1977 تذكار تاريخ صدور القرار بتقسيم فلسطين عام 1947.
فإلى أين من هذا “اليوم الفلسطيني الدولي السنوي”؟
العقَبات التي انتصبَت دون دخول فلسطين إلى عضوية منظمة الأونسكو، لَم تَحُل دون قبولها الدولة 195 بأكثرية عالية، وإن كلّف المنظمةَ ذلك حرمانَها من مساعدة مالية أميركية كانت تَرفُدُها لتنفيذ بعضٍ من مشاريعها في العالم، وعناداً متزايداً من دول كبرى في الحؤول دون حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة.
مع أن الأمين العام أقرّ بـ”توافق الأغلبية الدولية الساحقة على ضرورة إنهاء ‏احتلال 1967، وإيجاد ‏حل لقضية اللاجئين، وإفضاء المفاوضات إلى جعل القدس عاصمة للدولتين وصولاً إلى سلام تاريخي. وعلى المجتمع ‏الدولي أن يتَحَمَّل مسؤولياته عن إحلال السلام” (بان كي مون، خطابه في “اليوم العالَمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني” – 29/11/2010)، فلا يزال العامل السياسي عائقاً دون مقعد فلسطين في الحرم النيويوركي الدولي.
لكن الثقافة تغلَّبت على عائق السياسة. فها فلسطين التي منذ ستة عقود تسعى إلى اعترافٍ سياسيٍّ دوَلِيٍّ بها كـ”دولة مستقلة”، حمَلَت تراثها اللغوي والديني والتاريخي ودخلت منظمة الأونسكو تواصل حضورَها الثقافيّ الغنيّ الذي هشَّمَتْه السياسة سنة 1948، هو الحامل في صدره كنوزاً من التراث العالَمي، بعضهُ يَتَمَوْقَع تاريخياً في قلب الديانتَين السماويّتين، وفي جذور الإرث الإنساني العام، ما سيحفظ هذه الكنوز، بعضوية الأونسكو، من خطر الجرافة الإسرائيلية.
هكذا تُثبتُ فلسطين أن المقاومة الفلسطينية ليست عسكريةً أو مسلّحةً وحسب، ولا سياسيةً وحسب، بل هي أيضاً، وربّما بأثْبَتَ وأَفعَل، مقاومةٌ ثقافيةٌ وفكريةٌ وعلمية، مَشَاعِلُها فلسطينيون يَملأُون الدياسپورا نتاجاً إبداعياً في كلّ حقل، مُشِعّاً فلا تطفئُه قذيفة، وصوتاً لا يُخرسه مدفعٌ، وحضوراً لا يَمحوه اجتياح.
إنها غلبة الثقافي الثابت على السياسي المتغيّر، وسلطةُ الواقع التاريخي على الواقع الإيديولوجي. فما لم تستطعْهُ فلسطين على أرضها طوال ستة عقود من الجدل السياسي والاضطرابات العسكرية وقرارات في مجلس الأمن لا تزال حبراً على ورق أمام صلف إسرائيل وحُماتِها، بَلَغَتْه فلسطين في پاريس ومنها حَمَلَتْه إلى العالم.
الإبداع يُوحِّد، والسياسة تُقَسِّم. وما قَسَّمَتْه السياسة سنة 1948، جَمَعَتْه الثقافة سنة 2011.
إنها الثقافة، أَبقى من السياسة وأَرقى وأَنقى.
والوطن لا يقاس بالجغرافيا ولا بالديموغرافيا بل بالـ”إبداعوغرافيا” التي تُكَرِّس مُبدعيه مناراتٍ خالدةً في ذاكرة الزمان.