هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1023: أرقام… أرقام… و”سو دوكو” (Sou Dokou)

الحلقة 1023: أرقام… أرقام… و”سو دوكو” (Sou Dokou)
الأربعاء 23 تشرين الثاني 2011

بعد شبَكات الكلمات المتقاطعة والكلمة الضائعة (القائمة على الأحرُف) انتشرَت شبكةٌ جديدة (قائمةٌ على الأرقام) هي لعبة الـ”سو دوكو” (Sou Dokou) وقاعدتُها: أمام شبكةٍ من تسعة مربّعاتٍ أُفقية وتسعةٍ عمودية، وضْعُ الرقم المناسب، من 1 إلى 9، في مكانه بِحيثُ لا يتكرَّر الرقم نفسُه في الخط نفسِه أُفقياً أو عمودياً. من هنا أن اسمها الياباني يعني “الرقم الوحيد”.
لعبةٌ قائمةٌ على منطق الأَرقام، يَفترض حلُّها براعةَ منطقٍ وذكاءٍ، باستخدام الأرقام في مربَّعات الشبكة بدون أن يكون في الصف الواحد رقمٌ مكرَّر. ولأن حلّ الشبكة يتطلّب تركيزاً ذهنياً شديداً، يرى الخبراء أن لعبة الـ”سو دوكو” تُحرق 90 وحْدة حرارية في الساعة، أي أن الدماغَ في أثناء حَلّ الشبكة يُحرقُ وحْدة ونصف الوحْدة في الدقيقة الواحدة جهْداً ذهنياً، ما يعادل جسدياً مزاولةَ رياضةٍ خفيفةٍ لِمدة ساعة.
إنها إذاً لعبة أرقام. وما أخذَني اليوم إلى التفكيرِ بالـ”سو دوكو” ولعبةِ أرقامها المتشابكة، أنّ عندنا في الدولة “سو دوكيين” خبراءَ أرقامٍ وأسيادَ حسابات يَطْلَعُون علينا بأرقامٍ متلاطمةٍ متفاقمةٍ متلاحقةٍ متماحقةٍ، وعلى الشعب أن يتشابكَ بالأرقام أُفقياً وعمودياً كي يَحْزَرَ إن كان، مثلاً، سيَمُرُّ أو لن يَمرَّ مشروع موازنة 2012، وأن يلاحق الرَّقمَ المفقود في مشروع دراسة نسبة التضخُّم، وأن يبحث عن الرقم الذهبيّ كي يعرف كم ستكونُ زيادة الأُجور، وأن يفتّش عن الأرقام الناقصة كي يَطَّلع على أعدادِ مناصبَ شاغرةٍ إدارياً وأمنياً ودبلوماسياً تَلْزَمُها تعييناتٌ لا تزال تائهةً بين “سو دوكِيِّي” أصحاب القرار، والشعبُ أمام شبكاتٍ يتهافَت على حلّها، تتلاطم أمامه أرقامٌ منها المفقودُ ومنها الناقص، وعلى هذا الشعب أن يَتَعَمَّقَ في علْم الأرقام المخفيّة والظاهرة، وفي شبكاتٍ متشابكةٍ كي يستطيع متابعةَ ما يجري في الدولة من شبكاتِ أَرقامٍ سحريةٍ غامضةٍ مُعَقَّدَةٍ “سو دوكية”.
مشاريعُ وموازناتٌ وأرقامٌ في شبكاتٍ متشابكةٍ مُشَبَّكَةٍ شِبَاكيَّة، والشعبُ حاملٌ دماغَه يُحاولُ حلَّها فلا ينجح في البحث عن الأرقام الناقصة والمجهولة والمفقودة والضائعة والغامضة والمستحيلة.
أرقامٌ أرقامٌ… ولا تُحَلُّ الشبَكات: الدَّينُ العام، خدمةُ الدَّين العام، ميزانيةُ قطاع الكهرباء واستحقاقاتُها والجدَلُ العقيم حولَها، نسبةُ زيادةِ الأُجور وما يتشظّى منها تَسَرُّعاً في الإعلان عنها ثم التراجع عنها لاكتشاف خطإٍ ماديّ فيها، حصةُ لبنان من تَمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وما يَعْتَوِرُها من سيناريُوَات وكرنڤالاتٍ تصاريحِيَّةٍ متلاطمةٍ متضاربةٍ متعاكسةٍ متناقضةٍ، الأموالُ المرصودة للأشغال العامة بين الموافقة على صرْفها وعرقلة صرْفها وبين تصريح وزيرها وتصحيح وزير المالية، صندوقُ البلديات الذي أصبح كحكاية إبريق الزيت أموالاً مُجَمَّدةً: مقبوضةً من مَصادرها مَحجوزةً من مُبادرها.
أرقامٌ أرقام… تُطلقُها شبكاتٌ شبكات… لا توضحُ أرقامَها، ولا تَحلُّها، ولا تُسْهم في حَلِّها، تُصدرُها أرقاماً ثم تعود عنها، أو ترميها أرقاماً ثم تكتشف خطأً فيها، أو تُخرِجُها أَرقاماً لا فذلكةَ علْميةً لها، فتتعالى الصيحاتُ في الشارع، وتُنذِرُ الإضراباتُ في الساحات، ويتلبَّد الجو بتهديداتٍ نقابيةٍ وشعبيةٍ من كل نوع.
أرقامٌ أرقام…
شبكاتُ الـ”سو دوكو” تُحَلُّ على صفحات الصحف والمجلات، وفي دولتنا لا تُحَلُّ شبكاتٌ يضعُها “سو دوكيُّون” موهوبون بوَضْع أرقامٍ في شبَكات، لكنهم غيرُ موهوبين بوضْع حُلولِها.