هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1017: من جعلَ لبنان مزبلة البحر المتوسّط؟

الحلقة 1017: من جعلَ لبنان مزبلة البحر المتوسط ؟
الأربعاء 12 تشرين الأول 2011

جَمحَتْ بي ثورةٌ من الغضَب وأنا أُشاهدُ على القناة الفرنسية التلڤزيونية الثانية France 2، تَحقيقاً عنوانُه “لبنانُ مَزبلةُ المتوسط” (Le Liban: Poubelle de la Méditerrannée)، عَرَضَ مشاهدَ من جبل النُّفايات في صيدا، ذاكراً أنها تتسلَّل إلى مياه البحر المتوسط فتُلَوِّثُه، ومشاهدَ أُخرى من قُماماتٍ ونُفاياتٍ على ضِفَّتي نَهر بيروت، ذاكراً أنها تَتَحَلَّلُ وَتَتَسَلَّل إلى الشاطئ فتَسْحَبُها المياهُ إلى عُرض البحر، وتالياً تُلوِّث مياه الأبيض المتوسط.
وتَخلَّلَت التحقيقَ مشاهدُ أخرى من مناطقَ أُخرى، وتعليقاتٌ على المشاهد بأَنْ ليس في بيروت مَحارقُ نُفايات، ولا مَحطاتُ تكرير نُفايات، ولا بنيةٌ تَحتية عصريةٌ للصرف الصحي.
طبعاً هذا الأمر يُثير الغضَب غريزياً وعاطفياً ضِدّ التحقيق، إنّما منطقياً: العينُ لا تَكْذب، والكاميرا عينٌ لا تُخطئ.
إذاً هو المنطق الذي لا يُكَذِّب الكاميرا، وهو المنطقُ الذي يَجعل الغضب ينقلبُ لا على القناة التلڤزيونية بل على مَن جعلوا المشهد في لبنان فضيحةً أمام الكاميرا الفرنسية.
فهل أحدٌ من المسؤولين عندنا شاهدَ هذا التحقيق من التلڤزيون الفرنسي؟ وهل تَحرّك؟ وماذا ننتظر من مسؤولين، عند طبْخ كلّ حكومة جديدة، يلهَفون إلى “الوزارات السيادية” يتسابَقون عليها، فتبقى وزارةُ البيئة حقيبةَ ترضيةٍ لِهذا المذهب أو هذه الطائفة أو هذا السياسي أو هذا الحزب أو هذا التكتُّل، أو أَيّ ما يُكمل العدد في الكوتا السياسية؟
وزارةُ البيئة في بلدان العالَم المتحَضِّر، سياديةٌ رئيسة هامّةٌ أولية في تحسين نظافة البلد، تَسهَر دوائرُها وضابطاتُها البيئية على إبقاء البيئة صحيةً نظيفةً، وعلى إنقاذها من التلوُّث البصريّ والسمعيّ والتنشُّقيّ والتذَوُّقيّ وحتى اللمسيّ، لأن البيئةَ النظيفةَ بابٌ إلى السياحة، وبابَي البيئة والسياحة مدخلان إلى الثقافة، ومن هذه الأبواب الثلاثة: الثقافة والسياحة والبيئة، يدخل الوطن إلى مرتَبة عالَميّة تَجعله في مستوى راقٍ مثاليٍّ نقيّ، يعمل له المسؤولون فيه على أنهم هُم في خدمة الوطن، لا على أنّ في الوطن خُدّاماً لهم أزلاماً ومَحاسيبَ وحتى مُواطنين خانعين يَرَون القشَّة في عين خصومهم السياسيين ولا يرَون الفضيحة في ضمير سيّدهم.
المسؤولون عندنا عن سياسة البلاد وإدارتِها ورعاية شؤون مواطنيها: حين يَخرجُ هذا الريپورتاج على شاشة فرنسية عالَمية يشاهدها الملايين في جميع أَنْحاء الدنيا، هل يظلُّون مسؤولين مرفوعي الرأس أن يكون عنوان الريپورتاج التلڤزيوني: “لبنان مَزبلة البحر المتوسط”؟
رُبَّما بلى: يَظَلُّون مسؤولين مرفوعي الرأْس: نَعاماتٍ على تلال القُمامات والنُّفايات، لأنهم يُلْقُون التُّهمة على مَن قبلَهم، ومَن قبلَهم يُلْقُونَها على مَن سبَقوهم، حتى ليصحّ أن يكون عنوان ذاك الريپورتاج: “مِن المسؤولين اللبنانيين مَن جَعَلوا هُم أن يكون لبنانُ مَزبلةَ البحر المتوسط، بينما فيه مُواطنُون مُخْلِصُون يعملون على أن يبقى لبنان لؤلؤةَ المتوسط”.