هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1015: كتابٌ عن تاريخ لبنان يُخطئُ في تاريخ لبنان

الحلقة 1015: كتابٌ عن تاريخ لبنان يُخطئُ في تاريخ لبنان
الأربعاء 28 أيلول 2011

بعدما أَشَرتُ في الحلقة الماضية من هذا البرنامج إلى فضيحةِ كتابٍ فرنسيٍّ بين أيدي تلامذة الصف السادس في مدارسنا اللبنانية، عالَج بالنَّصّ والخارطة تاريخَ الأبْجدية وليس فيه أَيُّ ذِكْرٍ للبنان ولا لفينيقيا ولا للأبجدية الفينيقية أمِّ الأبجديات الناطقة، وقَعَ بين يَدَيَّ أمس كتابٌ في التاريخ يدرُسُه تلامذتنا وفيه خطأٌ تاريخي.
الكتاب عنوانه: “التاريخ العلميّ” لتلامذة السنة التاسعة – تعليم أَساسي (أَي الصفّ الثالث/البريڤيه) صادر عن منشورات “حبيب ناشرون”، مؤلِّفوه تسعة مُدَرِّسين بينهم أربعةٌ مُتَدَكْتِرُون وضعوا “د.” أمام أسمائهم. في الفصل العاشر “الحُكْمُ الوطنيُّ في ظلّ الانتداب الفرنسي أيار 1926- أيلول 1939” قسمان: أَوَّلُ عن “الدستور اللبناني”، والآخَر عن “الأحداث السياسية بين 1926 و1939”. وفي هذا القسم الأخير، على الصفحة 62 من الكتاب، فِقْرَةُ “معاهدة 1936 اللبنانيةالفرنسية” وفيها ظروفُ وَضْعها وأَسبابُه، وصورةٌ في أعلى الصفحة فوقَها عبارة: “الوفدُ المفاوِض برئاسة إميل إدّه مع دو مارتِل وفرنسيين”.
ولكنّ هذه الصورة لا علاقةَ لها مطلقاً بأَيِّ وفدٍ مفاوضٍ، بل هي صورةُ المدعوين إلى مأْدُبة الرئيس إميل إدّه في بيته بعد تشكيل الحكومة الائتلافية في 15 آذار 1937 برئاسة خيرالدين الأحدب، وبدا فيها جلوساً: المفوّض السامي الكونت دو مارتِل، الرئيس إميل إده، رئيس الحكومة خيرالدين الأحدب، الأمير خالد شهاب، پترو طراد، ووقوفاً: وزير الداخلية ميشال زكور، وزير الأشغال أحمد الحسيني، وزير المعارف حبيب أبو شهلا، الشيخ بشارة الخوري، وبعضُ موظّفي المفوَّضيّة الفرنسيّة في بيروت.
يعني أنّ هذه الصورة مأخوذة في 15 آذار 1937 ولا علاقة لها بِمُعاهدةٍ لبنانية فرنسية سبَقَ التوقيعُ عليها في السراي الصغير نهار الجمعة 13 تشرين الثاني 1936، أَي قبل أربعة أشهر من الصورة المشار إليها خَطأً أنها لوفد مفاوضاتٍ تَمّت أصلاً قبل تشكيل الحكومة التي نشَرَ صورتَها الكتابُ خطأً على أنها لـ”الوفد المفاوض”.
قد يجد البعض هذا الأمر تفصيلاً. لكنه يشير إلى عدم التدقيق في وقائع تاريخية عن لبنان والكتاب هو عن تاريخ لبنان. وإذا كان مُنسِّقو المدارس أو المسؤولون فيها وافَقوا على إدراج الكتاب وليس من اختصاصهم، فكيف مَرّ الكتاب على اللجنةِ الرسميةِ الموَلَّجَةِ التدقيقَ في الكتُب قبل الموافقة على طباعتها؟
قلتُ في الحلقة الماضية إن التلميذَ في هذه السنّ الطريّة يَتَحَجَّجُ بما في كتابه لأن الكتابَ مرجعٌ راسخٌ للتلامذة في تَلَقِّي الحقائق وحِفْظ المعلومات. فكيف “تَجَمْهَرَ” تسعةُ مؤلِّفين في كتابٍ واحدٍ ولم يُدقِّقْ واحدٌ منهم في التعليق على صُوَر الكتاب للتّأَكُّد من حقيقتها التاريخية، والكتابُ كتابُ تاريخ؟ ومَن لا يدقِّقُ في التعليق على الصورة قد لا يُدَقِّقُ أَيضاً في كُلِّ اسمٍ أو كُلِّ تاريخٍ أو كُلّ معلومةٍ في الكتاب.
مرةً أُخرى: لا يزال بعضُ القطاع التربويّ عندنا ضحيةَ صفَقاتٍ خاصةٍ في اعتماد كُتُبٍ مدرسية دون التدقيق فيها.
وفي هذا سُمٌّ خَطِرٌ في أذهان أولادنا، يرسَخ في ذاكرتهم ويبقى، بينما يذهبُ طابِخو هذا السُّمّ وراء صفَقاتِهم في تَمرير الكتاب على مسؤولي المدارس.