هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

709: القمع وسيلة “ديمقراطية” للإلغاء

القمع وسيلة “ديمقراطية” للإلغاء
السبت 3 أيلول 2011
-709-

أن تنهار أنظمةٌ عربيةٌ كانت منذ عقودٍ أسواراً مُحصَّنةً يرتع الحاكم داخلها في فردوس أمانٍ دِكتاتوريٍّ مُطمئنّاً إلى أن شعبه منصاعٌ لا يتحرك إلاّ ليُعَيِّش الحاكم وسلالَته، فظاهرةٌ سيذكُرُها تاريخُ المنطقة بأحرف من تَعَجُّب وفَخارٍ: تعجُّبٍ من نظامٍ باطونيٍّ حديديٍّ عُمرُه عقودٌ وينهار في أسابيع، وفَخارٍ من شعبٍ يعرِّض صدره للموت من أجل الحياة.
القمع السياسي لم يكن يوماً لصالح الشعب بل لصالح الحاكم كي لا يطال الشعبُ ركائزَ حُكْمه. ويتّخذ هذا القمع أشكال التمييز السياسي، والمراقبة الاستخباراتية، والعنف البوليسي، والسجن القسري بلا مُحاكمات، والنفي، ونزع الحقوق المدنية، حتى الأعنف: الاغتيال، الإعدام، التعذيب، الإخفاء، وهو يطال أفراداً، أو الشعب كلّه فيصبح للقمع اسم آخر: الإبادة.
أما الطغيان، فهو عُتُوُّ استخدام السلطة للحفاظ على الحكْم، وله أيضاً أشكالٌ: العنصرية، مناهضة السامية، فوبيا وعي الشعب، وضع أسماء على اللوائح السوداء، التنصُّت، الملاحقة السرية. وبرزت معالجة هذه الظاهرة في ثلاث مقاربات: الماركسية، الإنسانَوية والكينونيّة. وحين يَجْنحُ الطغيان إلى الاستبداد أو البطش أو العنف القاهر بأدوات الحُكْم أو منظَّماتٍ مسلّحةٍ غيرِ حكومية، يتحوّل الطغيان إلى قمع، وتحديداً: القمع السياسي.
من مظاهر الطُّغيان: الاستعمار، الإمبريالية، التوتاليتاريا، الدكتاتورية، وهي طغيانات تستولد عادةً في صفوف الشعب حركاتِ مقاومةٍ تسعى إلى خلع الوضع القائم، أو تغييره في تَحرُّكاتٍ شعبيةٍ منظَّمةٍ (اعتصامات، إضرابات، مظاهرات، …).
في نقطةٍ نهائية، يلتقي الطُّغيان مع القمع حين يصبح هذا وسيلةَ الحُكْم “الديمقراطية” لإلغاء المقموعين، أو حين تستفحل عقوبات القمع والطغيان ضدّ القائمين بِحركات التحرُّر لدرجة مَحْو (أو إِلغاءِ أو سَحْقِ) كلّ مُحاولةٍ للتعبير عن غضَب الشعب أو خنق بُذور ثورته في مطالعها قبل أن تتوسّع فتصبح قوة صخرية هائلة تتزايد حتى تتدحرج على الحاكم فتقتَلِعَه أو يستقيلَ أو… يهربَ متسلّلاً.
وما جرى في العالم العربي ويجري (وقد يَطُول) يُشير في وضوح الحتمية التاريخية أنْ لا حاكمَ يستطيع أن يَظلَّ دِكتاتوراً راتعاً على عرشٍ تَحْمِلُهُ أكتافُ شعبه، لأن “مُعَيِّشِيه” قد ينقلبون عليه فيقلبونه فيما هو سكران من صياحات “بالروح… بالدم…”، ويكتشف أن تلك الصياحات كانت طالعةً من قلب الخوف لا من قلب القناعة، ومن خوف التغيير لا من إيمان التعبير.
وحين اندلعت أولُ شرارةٍ في ليل الطغيان، مُعلنةً أنّ القَمْع يُمكن قَمعُه، تناسَلَت الشّرارات بركاناً أَحرَقَ العرش وصاحبَ العرش، وهذه نِهايةُ جَميع الطُّغاة في التاريخ.