هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

705: هذا القفص “الذهبي”

هذا القفص “الذهبي”
السبت 6 آب 2011
-705-

الذي صرخَ “الأَمر لي” نهار 6/10/1981 فيما جثمان الرئيس المغدور أنور السادات يتخبّط على منصة الاحتفال، وكان هو يومها نائباً لرئيس مصر ثم انتُخب رئيسَها بعد أسبوع، وأعيد انتخابُه ثانيةً في استفتاء 1987، وثالثةً في استفتاء 1993، ورابعةً في استفتاء 1999، وخامسةً في انتخابات 2005، وحَكَمَ مصر 30 سنة يُخشى ويُستهاب، هل كان نمراً من ورقٍ حتى انتهى طريحاً على سريرٍ وراء قضبان المحكمة؟
سوريالياً كان المنظر: رئيس مصر في قفص بعد ثلاثة عقود أمبراطوراً متوَّجاً يهتف باسمه الشعب ويجدِّد له في استفتاءات لم تقلّ مرةً عن 99،99%، حتى إذا تنحّى انقلب عليه من كانوا باسمه يهتفون، وجيء به إلى المحكمة في أَكاديميةٍ كانت قبل أسابيع تحمل اسمه بحروف من ذهب.
بين الحْكْم والزواج جامع مشترك: القفص الذهبي، يدخله من يطمح إلى بناء حياة مشتركة، ويَخرج منه من لا يعرف أن يُمَتِّن هذه الحياة المشتركة. وإذا الزواج ينكسر بانفصال اثنين فقط، فالحكم ينكسر بصَدْع شعبٍ كامل حين يبطش الحاكم توتاليتارياً لا يحسب أن العرش الذي جعلَه ذهباً قد ينقلب قفصاً حديدياً وراء قضبان محكمة.
الشعب الذي يتشفّى اليوم بحاكمه المخلوع، أين كان حين راح يُعَيِّشُه ويَرفع صوره ويُسمّي باسمه الشوارع والمؤسسات، ويَحلف باسم “الريّس”، حتى إذا جيء بـ”الريّس” وراء القضبان اقتتل شعبه خارج المحكمة بين مناصر ومعارض، عند محاكمة علنية في دولة عربية تحاكم رئيسها على قوسٍ قد يكون “الريِّس” نفسُه عَيَّن قُضاتَه.
صحيح أن “المتّهم بريء حتى يدان”، لكنّ الصحيح أيضاً أن الشعب يتسرّع أحياناً في تعييش زعيم أو رئيس أو قائد، مأخوذاً بحملة شعبية أو استخباراتية، ثم يتسرَّع في تحطيم الأنصاب والتماثيل والهيبة العليا.
القفص الذي ذهّبه الحاكم أودى به إلى قضبان المحكمة، و”نعم” الاستفتاء التي كرّرها الشعب الصامت خوفاً أو خنوعاً، أودَت به إلى الـ”لا” الغاضبة في ميدان التحرير عوض إسقاط الحاكم في استفتاءٍ أو اقتراع.
من أبيض العرس في القفص الذهبي إلى أبيض السجن في قفص المحكمة، يَثبُتُ أنْ ليس كلُّ أبيض لونَ فرح، وأنْ لا ثابتَ إلاّ عدلٌ يُبقي الذهبَ ذهباً، وحُكْمٌ بَصيرٌ يُبقي المواطنين شعباً حياً لا أغناماً مُنقادَة، وصرامةٌ حكيمةٌ تُتَوِّجُها عدالةُ المحكمة لا انفعالات الشعب.
هكذا يبقى الوطن هانئاً بحاكِمه وحُكْمِه، وبشعبٍ لا “يُقاد” إلى غرفة الاقتراع اليوم، وغداً يتشفَّى بها قفَصاً في مَحكمة.