هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1013: ماذا وضعتَ في حقيبتك المدرسية؟

الحلقة 1013: ماذا وضعتَ في حقيبتك المدرسية؟
الأربعاء 14 أيلول 2011

مع بدْء السنة الدراسيّة هذه الأيام، تذكّرتُ، من صحيفةٍ فرنسية، صورةً كاريكاتوريةً بليغةَ التعبير عن تلامذة اليوم وهُم يوضِّبون حقائبَهم المدرسيّةَ ويَتَحَضَّرون للدخول إلى المدرسة.
الصورةُ لولَدٍ أمام حقيبتِه المدرسيّة، إلى جانبه والدُه يقرأ في الجريدة.
يقول الولد لأبيه:
– “أَظنّ أنني وضعتُ في حقيبتي كلَّ ما أَحتاجُه: دفتري الإلكتروني (المعروف عامةً بالـNote book)، المُحوِّلَ الإلكتروني (المعروف عامةً بالـMp3)، اللوحَ الإلكتروني (المعروف عامةً بالـIpad)، الحافظةَ الإلكترونية (المعروفة عامةً بالـUSB). أبي؟ ماذا كنتَ، في أيام المدرسة، تَحمل إلى الصفّ في حقيبتِكَ المدرسيّة مِمّا كنتَ تَحتاجُ استعمالَه؟”.
فيجيب الوالد وهو يواصل قراءته الجريدة:
– “كنتُ أَحمل رأْسي، وأَستعمل دماغي”.
طبعاً، الصورةُ كاريكاتوريةٌ، وحوارُها كاريكاتوريٌّ، لكنه لا يَخلو من حقيقةٍ تواجهها حقيقةٌ أخرى.
الحقيقةُ الأُولى أنّ التلميذَ اليوم هو ابنُ العصر، ولا يُمكنه البقاءُ خارجَ العصر حتى في قرطاسيّته المدرسية.
والحقيقةُ الأُخرى أنّ التلميذ، في الكثير من هذه القرطاسيّة الإلكترونيّة، يُكَسْلِنُ ذهنَه فلا يعود يَبذُلُ جُهداً عقلياً كاملاً لذاكِرته أو لِمهاراته الذاتية، بل يتَّكِلُ كلّياً على الإلكترونيّات، ما ينْزَعُ منه جُهد البحث أو التفكير أو التذكُّر.
صحيح أنّ الآلةَ، صِناعيَّها أو إِلِكترونيَّها، سهَّلت حياة الفرد في عصرنا وسرَّعَت إيقاع تَحَرُّكه، لكنها أبْعَدَتْهُ عن الجُهد الذهنيّ والتفكير العقليّ والبحث المنطقيّ، حتى أنّ أبسَطَ عمليةٍ حسابيةٍ كنا نقوم بِها ذهنياً في ثوانٍ، لبساطتها وبديهيَّتها، يلجأُ البعض لها اليوم إلى الآلة الحاسبة الإلكترونية.
طبعاً: لا ندعو في ذلك للعودة إلى الوراء، والرجوع إلى بِدائيات أيامنا أو أَيامِ مَن قبْلنا. لكننا نُنَبِّه إلى أنّ التلميذ اليوم لَم يعُد يفكّر لَحظةً واحدةً في عمليّة جَمعٍ أو طرحٍ، أو معنى كلمةٍ، أو مرادفٍ لَها، أو تصريفِها، بل يَهْرَع فوراً إلى كومپيوتره المحمول يعطيه الجوابَ بدون أيِّ جُهدٍ كنا نبذُلُه في أيامنا للحصول على الجواب، وخصوصاً في مسابقات الامتحان.
وما نقوله عن البحث والقراءة والتَّلَقّي، نقوله أيضاً عن الكتابة. فتلامذتُنا اليوم اعتادوا الكتابةَ الإلكترونيةَ المخْتَزَلة على أجهزة الخلويّ في الرسائل القصيرة (sms) أو على الكومپيوتر (msn) في الدردشة الإلكترونية (chatting)، بِلُغَةٍ مُختَلِطَة بين لبنانيةٍ مَحكيَّةٍ بأَحرفٍ لاتينية، أو فرنسيةٍ أو إنكليزيةٍ مُختَصَرةِ الأحرُف والكلمات، فتَطَبَّعوا بِهذه اللغة الهجينة حتى يصطدموا أحياناً، وهُم يكتبون فُروضَهم ومسابقاتِهم، بأنّهم فَقَدُوا الكتابةَ الكاملةَ الصحيحةَ لِهذه الكلمة أو تلك، ما يُهدِّد مهاراتِهم العلْميةَ في كتابة اللغة الصحيحة لأنهم يكونون ضيَّعوا أصولَها والقواعد.
إلكترونيّاتُ العصر ضروريةٌ جداً لِحياة العصر، على أن تكونَ خادمةً مُطيعةً متطلّباتِنا الذِّهنية، لا أن تأْخذَنا إلى سُرعةٍ وقتيةٍ واختصارٍ مبْتَسَرٍ مُشَوِّه، وكَسَلٍ ذهنيٍّ يُهدِّد بضَياعِ كلِّ ما اختزنّاه سَنواتٍ في عقلِنا: دُرَباً معْرفيةٍ، ومهاراتٍ لها تاريخٌ طويلٌ من القواعد والأُصول.