هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1011: الفطر- أبعادُ الدين والدنيا

الحلقة 1011 – الفطر: أَبعادُ الدين والدنيا
الأربعاء 31 آب 2011

أَلصيامُ فَالعيد: رَمَضاناً فَفِطراً، أو خَمسيناً فَفِصحاً، وَعْيُ أنّ الدين طريقٌ واحدٌ إلى الله الأحد، الآبِ ربِّ العالمين، تتعدَّدُ العبادة له، وتبقى الغايةُ واحدةً إحدى: بلوغَ الصفاء في الذات، والنعمةِ في النفس، والطويةِ البيضاء في القلب.
وَسْط بَهجة العيد التي تغمرُنا منذ البارحة عيداً يَمتدُّ بَهيجاً على فضاء المؤمنين والمواطنين جميعاً، نفتح اليوم نافذةً على الشِعر، وكيف تَلقّى الشعراءُ العيد، فِطراً سعيداً وقبله رمضاناً كريماً.
نتذكَّر ابن المعتز الذي عقَد القوس بين الهلال والفطر فقال:
أهـــلاً بفِطْـرٍ قد أنافَ هلالُه للآنَ فَاغْـدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ
وانظرْ إليه كَـــزورقٍ من فِضَّةٍ قـــد أثقـلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ
ونتذكَّر ابن الرومي ووصفَه هلال شوّال:
ولما انقضــى شهرُ الصيام بفضله تجلَّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ
كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمره يشيرُ لنا بالرمـز للأكْلِ والشُّربِ
ونذكُر البحتريّ مادحاً المتوكل مهنئه:
بالبِرِّ صُمْتَ وأنتَ أفضلُ صائمٍ وبِـسُـنَّة الله الرَّضــيَّةِ تُفْطِرُ
فانْعَــمْ بعيدِ الفطرِ عيدًا إنهُ يـــومٌ أعزُّ من الزمانِ مُشهَّرُ
ونذكُر المتنبّي الذي عيَّد بالفطر سيف الدولة عند انقضاء شهر رمضان:
الصَّوْمُ والفِطْر والأعيادُ والعُصُر منيرةٌ بِـكَ حتى الشمسُ والقمرُ
وفي قصيدةٍ أخرى يعيِّدُهُ مُجدَّداً:
لكلِّ امرئٍ من دهره مـا تعوّدا وعادةُ سيفِ الدولة الطَّعْنُ في العِدا
هنيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُه وعيدٌ لِمَن سَـمَّى وضحّى وعيّدا
ولازالتِ الأعيـادُ لُبْسَكَ بعَده تُسَلِّمُ مَخروقًا وتُعْــطى مُجدّدا
ويقول الشاعر العراقي مصطفى جمال الدين:
العيدُ أقبلَ تُسعِدُ الأطفالَ ما حملتْ يداهْ لُعبًا وأثوابًا وأنغامًا تضِجُّ بها الشِّفاهْ
وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن نداهْ فيعودُ في أهدابه دمعٌ وفي شفتيه آهْ
ومن غرناطة القرن العاشر يطلّ الشاعر ابو إسحق الألبيري الأندلسي ليعطي معنى العيد طاعة لله لا الحُلل والملابس:
ما عيدُك الفخمُ إلا يوم يُغْفَرُ لكْ لا أن تَــجُرَّ به مستكبِرًا حُلَلَكْ
كم من جديدِ ثيـابٍ دينه خُلُقٌ تكــاد تلعنه الأقطار حيث سَلَكْ
ومن مُرَقَّعِها الأطمار ذي ورعٍ بَكَت عليه السما والأرضُ حين هَلَكْ
ومن القرن السادس الهجري هذان البيتان من قصيدة لشاعر الحكمة نجم الدين عمارة اليمني:
وهُنِّئتَ من شهر الصيام بـزائر مُناه لو ان الشهر عندك أَشْهُرُ
وما العيدُ إلا أنتَ! فانظُر هلاله فما هو إلا في عدُوِّكَ خِنْجَرُ
وختاماً: يروى عن عمر ابن الخطاب أنه جمع المصلّين لأول مرة في صلاة التَّراويح خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته الراشدة، فقال أحد الشعراء:
جاء الصيامُ فجاءَ الخير أجْمَعُهُ: ترتيلُ ذكْرٍ وتَحميدٌ وتسبيحُ
فالنفس تَدْأَبُ في قولٍ وفي عملٍ صومُ النهار وفي الليل التَّراويحُ
هكذا العيد: بُلوغُ النعمةِ في النفس، والصفاءِ في الذات، والطويةِ البيضاء في القلب، ثالوثٌ به نتّقي الله ونتوقّى الوطن.
وكلَّ عيدٍ، وأنتُم ولبنانُ في عيدٍ دائمٍ، جناحاهُ: خدمةُ الله الآب، والحفاظُ على الوطن أرضِ الله وسماءِ المستقبل.