هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1008: كي لا يموت الكونسرفتوار

الحلقة 1008: كي لا يموت الكونسرفاتوار
الأربعاء 10 آب 2011

في علم الوراثة أن يكون عند الوريث بعضُ ما عند المورِّث من جيناتٍ طبيعية أو فكرية أو سُلوكية أو أكاديمية ذاتِ صلة، تُخَوِّله متابعةَ إرث المورِّث بما يذكّر به أو يُكمل رسالته.
وما يصُحُّ علمياً على الوراثة في العلوم الطبيعية والطبية وجسم الإنسان، يصُحّ كذلك إبداعياً على الإرث من أبٍ إلى ابنٍ، أو من مؤسسٍ إلى خَلَف.
ويظنُّ البعض أن وراثةَ منصبٍ رفيعٍ أو مسؤوليةٍ عاليةٍ أمرٌ سهلٌ تُغْري بِحَمْل اللقب والتباهي به ولو لم يكن الوارث صاحب استحقاق علميٍّ جديرٍ بِحمل هذه المسؤولية أو ذاك اللقب.
المتقدِّمون إلى خلافة وليد غلمية في إدارة الكونسرفاتوار اللبناني،
بدأ بعضُهم يتهيَّأ لوراثته منذ كان بعدُ على سرير المستشفى،
تتناهى إليه الأخبار فيصمُت عن كِبَرٍ وجُرح،
مدركاً أن خلافتَه إرثٌ كبير لكونسرفاتوارٍ أمضى آخر عشرين سنة من حياته
يعمل له يومياً في طاقة جبَّارة،
فنهض به،
وأنشأ أوركسترا سمفونية ثم فيلارمونية،
وأخرى شرقية،
وقاد تمارينَهما وعزفَهما عشرَ سنواتٍ أسَّس خلالها جمهوراً باتت الموسيقى الكلاسيكية من برنامجه الأسبوعي.
على المتقدِّمين إلى وراثة وليد غلمية أن يحملوا بعضاً من “جيناته” الإدارية والإبداعية كي يواصلُوا ما بناه لكونسرفاتوارٍ
استلمه حفنةَ غُرَفٍ شبهِ خَرِبَةٍ، وبضعَ كراسٍ مُخَلَّعة،
فجعل منه معهداً وطنياً عالياً بات له اليوم 12 فرعاً في كلّ لبنان،
يضم 5800 طالب ونحو 215 مدرّساً في مختلف المواد الأكاديمية والآلات الموسيقية.
كيف جعل وليد غلمية الكونسرڤاتوار صرحاً لبنانياً بهذه المهابة؟
بقُدْرته الإدارية،
وطاقته الفنية،
وعملٍ يومي طويلٍ وتطوير مستدام،
وعلى خَلَفِهِ أن يمتلك قدراتٍ إداريةً وموسيقيةً وعلميةً ليست معطاةً لكل طامحٍ إلى رئاسة الكونسرڤاتور.
بعض هذه القدرات:
أن يشرف دَورياً على تطوير المناهج الموسيقية الأكاديمية
في تدريس الموسيقى والعزف على الآلات والتأليف الموسيقي والعلوم التطبيقية والعلوم النظرية،
وأن يختار الأساتذة الأكفياء للتدريس،
وأن يكون رئيس اللجان جميعاً:
لجنة الامتحانات، لجنة التأليف الأكاديمي، لجنة معادلة الشهادات،
لجنة المصنّفات الموسيقية، لجنة الغناء الغربي، لجنة الغناء الشرقي،
لجنة الأوركسترا الغربية والأوركسترا الشرقية
ويشرف دورياً على وضع ريبرتوارهما ويوافق عليه،
ولِجانٍ أُخرى تقنية وإدارية ومالية وفنية،
وأن يترأّس جلسات الاستماع لاختيار موسيقيين لبنانيين وأجانب،
وأن يتابع التدريس الأكاديمي من السنوات الأولى حتى الماجستر في العلوم الموسيقية ويوقّع على الشهادات،
وأن يمتلك شبكة علاقات أكاديمية
مع أوركسترات أجنبية وقادة أوركسترا أجانب يستضيفهم للأوركسترا الفيلارمونية اللبنانية،
وأن يكون ذا شخصية توحي بالثقة العالية
لدى المراجع الأكاديمية فيترأَّس مجلس إدارة الكونسرڤاتوار،
ولدى المراجع الرسمية فيواصل السعي لبناء دار الأوپرا في بيروت
وسائر ما بناه وكان يسعى إليه وليد غلمية
ليطوّر الكونسرڤاتوار كي يضاهي كونسرڤاتوارات العالم.
إذاً: رئاسة الكونسرڤاتوار ليست وظيفة عادية في دائرة حكومية
يتولاّها الأوفر حظاً بين أزلامٍ ومَحاسيبَ هرعوا إلى عتبات زعمائهم السياسيين كي يعيّنوهم،
بل هذه الرئاسة مسؤوليةٌ
إبداعيةٌ أولاً،
ووطنية ثانياً،
وأكاديمية علميةٌ ثالثاً،
على من يتولاَّها أن يكون مُزَوَّداً بشهادات عالية وكفاءات أكاديمية أثبتَت قُدْرتَها وخبرتَها،
ما لا يُمكن بلوغُه إلاّ بغربلة المتقدِّمين إلى هذه الرئاسة،
ونظنّ أنّ بينهم مؤهَّلين أكفياء، وأكاديميين خبراء،
ومتمرِّسين ذوي شهاداتٍ عاليةٍ، وأَداءٍ أثبَتَ نجاحه،
واحترافيةٍ أثبتَتْ حضورَها في لبنان وعالمياً،
ويتمِّمون معايير العلْم والخبرة والكفاءة.
وإن صعُب الاختيار للتعيين،
فلتعْمَد الدولة إلى مسابقة،
أو اختيارٍ وفق السيرة الذاتية والمهنية،
لا وفْق فَرْضِ السياسيين مَحاسيبَهُم وأزلامَهُم على رأس هذه المؤسسة التي،
إن لم يتسلَّم رئاستَها من يَرِثُ وليد غلمية حضوراً وجهداً وأكاديميةً وفعالية،
ستؤول إلى خراب أكاديمي وموسيقي ووطنيّ يكون قتلَ وليد غلمية يومياً في غيابه الساطع.