هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

702: وحده الأثر الإبداعي يقوى على الزمان

وحده الأثر الإبداعي يقوى على الزمان
السبت 16 تموز 2011
-702-

في الكتاب الجماعيّ “لماذا أكتُب؟” (منشورات “المجلة الفينيقية”-شارك فيه50كاتباً لبنانياً فرنكوفونياً) قراْتُ نصاً للروائي رامي الزين باح فيه أنه يكتب “حتى يلتقي ذاتَه ويُحَقِّقَها في الكتابة، فيذهبَ إلى أقصى المشاعر، ليرى ويعرف ويفهم، ويخترع ما كان ويتذكَّر ما سوف يكون”.
هذه الجدّية لدى الكاتب في التعاطي مع الكتابة، أَخَذَتْني إلى حوارٍ قرأْتُهُ في الملحق الأدبي لـ”الفيغارو” مع الروائيّ الفرنسيّ ميشال ريو (Rio) عن شخصه وشخصيّته وشخصيّاته مُشدِّداً على تحصين الكاتب صورَتَهُ كما يريدها أن تكون، مثاليةً جادّةً لكلّ كاتب كما يَجب أن يكون وتكون.
منذ صدور باكورته “الكآبة شَمالاً”(1982) فرض على ناشره “بالاّن” ثلاثة شروط إعلامية لم يَحِدْ عنها: يكون وحده في المقابلة، يأْخُذ وقتاً كافياً للتحدُّث عن كتابه، لا يتكلَّم إلاّ على جديده دون حياته الخاصة والشخصية وهواياته وأَهوائه، فليس على الكاتب تسليع شخصه لتسويق كتابه. والكتّاب في رأْيه فئتان: مُدَّعٍ مغرور (منبوذٌ إجمالاً) ومتكبِّر مُمتلئٌ بِذاته (مقبولٌ إجمالاً) لأن المغرور يعوّض عن فراغ لديه، والمتكبِّر يبرّر تكبُّرَه نتاجُه الإبداعي.
وفي رأي ريو أنّ الكتاب وحده ينتصر على الزمن الذي يودي بالكاتب عاجلاً أم آجلاً إلى الزوال بينما الكتاب يعيد بناء العالَم كما يحلم له الكاتب أن يكون. لذا يرفض ريو إضاعة وقته في “السراي الأدبيّ” أو الجلوس والثرثرة في المقاهي، ويرى أنّ كِتَاباً يضعه عنه أدباء وباحثون أفضلُ من أيّ تكريمٍ أو درعٍ أو وسام. فالحقيقة عنده ليست بيضاء أو سوداء بل بيضاء وسوداء معاً، والقوة الوحيدة التي تنتصر على التناقضات والتوتُّرات هي قوة الحب.
منذ روايته الأُولى انصرف كلياً إلى الكتابة معتبراً أن “الأدب حلمٌ دائمٌ بقهر الموت لأنه يعيد ولادته باستمرارٍ في العقل”. من هنا على الأديب أن يعطي الكتابة وقتاً تاماً كاملاً لا يخترقه دخيلٌ، ولا واجبٌ اجتماعيٌّ، ولا انتسابٌ إلى جمعياتٍ ولِجانٍ وهيئاتٍ، حتى يظلَّ تركيزه على الفكرة والقلم، بِهِما يبني ألقَه في حياته وخلودَه بعد غيابه.
“الأثر الإبداعي وحده يَخترق الزمان”؟ صحيح. لذا على صاحبه أن يعطيه الوقتَ كلَّ الوقت، والانصرافَ كُلَّ الانصراف، فلا يتبعثر أو يتشتَّت في هوامشَ نافلة، ولا يسخو من ذاته على السوى، لأن السوى هدرُ الطاقات، بينما الذاتُ منبعُها.
على المبدع أن يختار أين يكون، حتى يبقى نابضاً في غيابه بعدما ينطفئ النبض في حياته.