هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

697: حضورٌ ديناميّ… مساحتُهُ وليد غلمية

حضورٌ ديناميّ… مساحَتُهُ وليد غلمية
السبت 11 حزيران 2011
– 697 –

حقاً، وليد؟ حقاً تعرف أن تموت؟
أعرف أنك تعرف الكثير، لكنني لم أَحدُسْ أنكَ تُتقن الغياب بِمستوى ما أتقنْتَ الحضور.
حضور الذي يَحتشد إليه دورياً روّاد الموسيقى العالية في الكنيسة الأسبوعية أو الصالة الأسبوعية، ينتظرون حضور الذي يدخل، يرفع العصا إيذاناً بالاستعداد، حتى إذا أَشار القائد اندلَعَت السمفونيا.
حضور المدير الذي نقل الكونسرڤاتوار اللبناني من مقرٍّ ضئيلٍ مشلَّعٍ بالحرب إلى فروع في كل لبنان تزرع حُبّ الموسيقى في قلوب الصغار تأهيلاً لهم إلى غدٍ موسيقي راقٍ في نفوسهم مواطنين.
حضور المنشغل بوضع برامج أكاديمية للأجيال الجديدة كي تُقْبِل على دراسة الموسيقى وعزْفها والعيش في مناخها العالي الذي يهذّب النفس ويهذّب السلوك ويهذّب الوطن.
حضور المؤسس الذي ناضل بكل ضنى كي يُنشئَ أوركسترا سمفونية نهضَت وأينعَت فطوّرها إلى فلهارمونية تقطف إعجاب قادة أوركسترا عالميين جاؤوا ضيوف الكونسرڤاتوار فقادوها ولفَتَتْهُم مهارتها العالَمية.
حضور المؤسس المشغول بتراث بلاده، أنشأ أوركسترا للموسيقى المشرقية تقدِّم أعمال كبار مكرَّسين وجُدُدٍ واعدين فتُرَسِّخ في الذاكرة الجماعية نهضة الموسيقى في لبنان والمشرق العربي.
حضور المؤسس الواعي أهمية موسيقى الحجرة أنشا لها ستّ أوركسترات سماها بأسماء ست مدن لبنانية، وعَوَّدَ الجمهور على عذوبة موسيقى الحجرة ودورها في تطوير الموسيقى تأليفاً وذيوعاً.
حضور المشجّع الْمُحَرِّض زملاءه في الكونسرفاتوار على التأليف الموسيقي يقدِّم لهم أعمالهم حتى باتوا يكتبون موسيقاهم بِحماسةِ تقديمها إلى الجمهور وكانوا يشيحون عن تأليف ويتكاسلون عن كتابة.
حضور المؤلّف الموسيقي الذي باتت سمفونياته الستّ معتمَدةً في ريبرتوارات الأوركسترات العالمية، بعدما ذاعت ألْحانه في المهرجانات الأولى أيام بيروت المسرح الغنائي اليومي وأيام مهرجانات بعلبك وبيبلوس وسواها.
حضور المندفع إلى تعريف أبناء بلاده بأعمال عباقرة الموسيقى في العالم، حتى بات الجمهور اللبناني يحتشد إلى الأوركسترا الفلهارمونية، وقوفاً أحياناً، كي يتابع هذا الكونشرتو أو تلك السمفونيا، وهو ما لم يشهده لبنان من قبل.
حضور المتعافي بقامته المديدة وعافيته الفنية وطموحاته للبنانَ رائدٍ في الحضور الموسيقي.
حقاً، وليد؟ حقاً تتقن الغياب وتترك كل هذا الحضور الذي زرعتَ مساحاتِهِ أزراراً مُفْرحةً من ورد الموسيقى؟
لكنه، يا وليد، وإن أنت أتقنْتَه، لن يكون غياباً.
وجمهورُكَ الوفيُّ سيبقى يحتشد إلى الأوركسترا، ينتظر حضورَك، ويرنو إلى عصاك المرفوعة إيذاناً، في انتظار إشارة القائد كي تتحرّك العصا، ويستعدَّ الموسيقيون، وتندلع السمفونيا.