هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

45: عصام كرم: الحداثة

الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامك إياها أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد أربعة وأربعين جواباً من وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني وجوزف أبي ضاهر وسلوى السنيورة بعاصيري وجوزف جبرا وزهيدة درويش جبور ومي منسّى وهدى النعماني وغالب غانم ومحمد بعلبكي وهشام جارودي وألكسندر نجار وجورجيت جبارة وغازي قهوجي وسمير عطالله وإلهام كلاّب البساط وأنطوان مسرّة وفاديا كيوان وريمون جبارة وسلوى الخليل الأمين وندى عيد وهنري العويط ومنير أبو دبس وندى الحاج ونجوى نصر وهناء الصمدي نعمان ووردة زامل ونُهاد نوفل وكريستيان أُوسّي وفؤاد الترك وشوقي بزيع وأسعد مخول وإيلي مارون خليل وجورج كلاس ومفيد مسوح ومحمد علي شمس الدين ومنيف موسى وسهيل مطر وجورج سكاف ومروان فارس وإميل كبا وهيام ملاّط، هنا الجواب الخامس والأربعون من النقيب السابق للمحامين عصام كرم.
هنري زغيب
email@henrizoghaib.com

__________________________________________________
____________________________________________________
______________________________________________________

45) عصام كرم: الحداثة
الأربعاء 11 أيار 2011

الحداثةُ فرحة الفكر.
على أنها ليست الـ”سنوبيسم”، وعلى أنها ليست حكراً على زمان. هي بنتُ الزمان. بنتُ فرحة الفكر.
الحداثة هي “الأنوار”. الغربُ، في نزعةٍ متغطرسة، أراد القرن الثامن عشر “قرن الأنوار”. مع أن الأنوار الشرقية طلعَت تنير ظلمات القرون الوسطى في القرن الثالث عشر، في عز العتمة.
استقلالُ الغرب بـ”الأنوار” تَشَوُّفٌ غربيٌّ لا يعترف بمشيئة الأيام.
ميكالانج صانعُ حداثةٍ وهو بعدُ في نهايات القرون الوسطى: سقف كاتدرائية القديس بطرس (الكاپيلا سيستينا) في الڤاتيكان من صنعه، يستعيد سيرة الخلق.
غوتمبرغ صانعُ حداثة: اختراعُ المطبعة أهمُّ حدَث في التاريخ. هي الثورةُ الأُمّ: جدّدَت آلة التعبير، صيَّرَت الحرف في كل مكان، نقلت الكلمة من الزمنية إلى الأبدية.
مسجد طليطلة أضاء المتوسّط وأَسهم في تطوير العقليّات.
الكهرباء حدَث، مثلما الكهرباء حدَث.
هذه كلُّها قبل القرن الثامن عشر. وهي جميعُها وطَّأَت إلى “عصر الأنوار” كما سَمَّتْهُ الأنانية الغربية.
أنا لم أُؤْخَذْ بالتكنولوجيا لأنها، عندي، قصّرت عن إعطاء الإنسان حقّه. ما وصلَت، بعدُ، إلى شفاء السرطان، ولا إلى شفاء السيدا، ولا إلى تنظيف البيئة وحمايتها من عدوان الإنسان.
ولم أُؤْخَذْ، خُصوصاً، بالإنترنت، ولا بالـ”يو تيوب”، ولا بالـ”تويتر” ولا بالـ”فايس بوك”.
لكنني، عندما رأيتُ هذه الحداثة تساعد على صُنع الثورة العربية، غيَّرتُ رأيي. شباب “ميدان التحرير” تنادوا عبر الـ”فايس بوك” وأسقطوا الفرعون. وكم فضح الـ”ويكيليكس” من الفراعنة الكبار والصغار.
أنا مأخوذٌ بالكتاب: كتاب الورق الطالع من مطبعة غوتمبرغ والباقي في عصمة الخلود، مهما اعتُدِيَ عليه.
غضبوا عليه لأنه علّم الناس أن يغضبوا، أن يثوروا، أن يقولوا “لا”.
فكر الإنسان: الكتاب. وآيةُ الله في خلقه: الكتاب.
الديمقراطية حداثة. كانت في الملعب الإغريقي قبل أن ينطلق الإسكندر فاتحاً. ومن الملعب إلى پِرسوپوليس مروراً بـ”غوردياس” يلتقي به ديوجين فيتحاوران ويتباعدان. هذاك، كي يغزو العالم، احتاجَ إلى حملةٍ ناء بها جنرالاته فوقفوا عند نهر الغانج متعَبِين. وهذا قال كلمةً غزا بها العالم الحامل، بعدُ، فانوساً يفتش عن رجل.
النبيُّون حدَث. المتنوِّرون حدَث. غاندي حدَث. سقراط حدَث. وأبو زيد البسطامي وسائر الرائدين مثل بوذا وكونفوشيوس.
الأنوار، مرةً بعد، ليست بنتَ زمان. هي بنتُ الزمان. لذلك ما كانت الحداثة المستنيرةُ فعلَ مرحلة، ولا الثورة كانت فعل مرحلة. على أن تبرأ الحداثة من فعل الشرير القادر دوماً على استخراج الشرّ من بَدْع الحداثة.
الحداثة، كلمتي الأَحَبّ، أرنو إليها شيئاً من تلاقي السماء والأرض على وضاءة الإنسان.
_________________________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة السادسة والأربعون: الدكتور عمر حلبلب