هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

693: حياً بعد 100 عام!

حياً بعد 100 عام !
السبت 14 أيار 2011
– 693 –

ما الذي يجعل “كتاب خالد” لأمين الريحاني نابضاً حتى اليوم، ونحتفل هذا العام بمئوية صدوره في نيويورك سنة 1911؟
في مناجاة الإنسان يقول خالد: “مهما كنت، وأنّى كنت، وأياً كنت، أنا أعتقد فيك، وأؤمن بك، وأحبُّك…”.
وفي مناحاة الله يقول: “عبثاً طلبتُكَ في أديان الناس… وأنت في هذا الكون واحد أَحَد”.
هاتان الفقرتان كافيتان للإضاءة على ما في هذا الكتاب من “عولَمةٍ” في الإنسان والعبادات،
تصحُّ أن تكون شعاراً فكرياً أخلاقياً دينياً سياسياً اجتماعياً
في كل بقعة من هذا الكوكب الذي تَتَبَرْكَنُ فيه الصراعات:
هنا سياسيّة على كرسي حُكْم، هناك دينيّة على سيطرة مذهب، هنالك اجتماعيّة على تغيير نظام.
وصموئيل هانتنغتون الذي أصرّ في كتابه على “ارتطام الحضارات”،
كان إحادياً في نظرته إلى أن الحضارات لا تتغيّر ولا تتلاقح،
ما ينفيه تلميذه ومساعده في هارڤرد تود فاين
(شارك أمس في مؤتمر جامعة سيّدة اللويزة عن الريحاني ومئوية “كتاب خالد”)
معتبراً أنْ:
بلى، بحسب “خالد”، يمكن أن تتلاقح الحضارات وتتغيَّر وتتفاعل بالكوزموپوليتية (واسمها الحديث: العولَمة)
بمعنى أن ما احتاجه “خالد” لينتقل لأجله من بعلبك في لبنان إلى أسفل مانهاتن في نيويورك،
وما اختبره مرتطماً بحضارةٍ في الغرب لا تتماهى وروحانية الشرق،
بات اليوم ممكناً تكنولوجياً وإلكترونياً، بعد انكسار الحدود الزمانية والمكانية بين البلدان والمحيطات والدول.
وفيما كانت نيويورك (وتالياً الولايات المتحدة) طالعة على الانكشاف والاكتشاف
(عند صدور “كتاب خالد” عشية الحرب العالمية الأُولى)
حمل “خالد” إليها معه كل روحانية الشرق العريقة،
فلم تجذبْه نيويورك بسرّها وسحرها ورأسماليتها وإيديولوجيتها في الحرية شعاراً ونهج حياة،
ولا جعلته يتخلّى بعدها عما في نسيجه الشرقي من إرث،
بل كان جسراً ثقافياً جمع في شخصه الشرق والغرب،
رافضاً الإيديولوجية الواحدة،
بدليل أن “خالد” كان يُحرق كلّ كتاب يقرأُه، ويرفض التأثُّر بكل شخص قابله،
حتى إذا عاد من نيويورك إلى جبال لبنان (وهي عودة الريحاني إلى صومعته في الفريكة ووضْعِه كتابَه فيها)،
كانت عودته إلى الينابيع، إلى الارتقائية،
إلى اللاانتماء إلاّ إلى ذاته الجوانية،
فأطلق قناعته: “قُلْ كلمتَك وامشِ”،
ودعا إلى بناء “المدينة العظمى” التي تسود فيها المساواة والعدل والحرية والحقيقة،
عالَماً مثالياً ينهَدُ إليه كلُّ إنسان في كلِّ عصر ومكان،
فكأن “كتاب خالد” هو كتابنا اليوم، في طبعته الأُولى 2011.