هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

692: الملكيّة هي التعدّي (!؟)

الملكيّة هي التعدّي (!؟)
السبت 23 نيسان 2011
– 692 –

التعدّيات الأخيرة على الأملاك العامة، وما رافقَها من إقدام الأهالي على منع (!) السلطات الأمنية من وقف التعدّيات، تُثير نقطةً جوهريةً في كُنْه الْمُلْك، خاصِّه والعام، قانونياً واجتماعياً.
في المادة 17 من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” أنّ: على الدولة “صيانة حقّ الملكية الفردية كما الملكية العامة”.
وعن هذه الأخيرة ورَدَ أنّ الدولة تُراقب الملْك العام
وتَصونه وتُحافظ عليه من كلّ اعتداء أو تَعَدٍّ،
وقد تكلّف جهاتٍ خاصةً إدارته في إشرافها وقرارها في المنع أو السماح،
فلا يكون الملْك العام مشاعاً سائباً بل له قوانين ترعاه وتُحافظ عليه كأنه ملْك خاص.
وأكثر: الملْك العام يخضع لقوانين حقوق لا تتيح استخدامه من دون وجه حق أو إذن أو ترخيص أو سماح.
وحق الملكية هنا هو حق الاستعمال وتحديد وجهة الاستخدام وقطف المنافع من هذا الملْك.
ينقسم الفلاسفة بين أن يكون حق الملكية ناجماً عن الاصطلاحات الاجتماعية أو عن القوانين الطبيعية.
غير أن المصطلح العام، دولياً، يحدِّد حقوق الملكية كما يلي:
– حقّ الاستعمال والمراقبة (Usus)، وإمكان إعادة الملْك إلى مالكيه في حال سوء ذاك الاستعمال وتلك المراقبة.
– حقّ الاستفادة (Fructus)من أيّ نفعٍ في مساحة الملْك (حصاد، مرعى، منجم، زراعة، …).
– حقّ تغيير وجهة الاستعمال (Abusus) أو تجييرها لقاء قيمة نقدية أو مبادلة أو هبة.
هذه الحالات الثلاث، تطبيقاً على الملْك العام،
تبقى خاضعة لسلطة الدولة صاحبة هذا الملْك في المنح أو المنع أو التجيير أو الاستفادة،
وذلك شأن ليس إلى نقاش ولا إلى تفسير أو اشتراع أو اجتهاد،
خصوصاً إذا كان التعدّي على الملْك العام يؤدي إلى إحداث أيّ خطر
على الصحة العامة، أو السلامة العامة، أو الأذى للمحيط أو للحقوق المجاورة،
أو التسبُّب في أضرار عمرانية أو بيئية أو طبيعية.
ومن القانون الدولي العام إلى ما يجري عندنا:
حين غابت مراقبة الدولة على أملاكها العامة،
ارتجل النافذون السياسيون ذواتهم أوصياء مطلقي الأمر في المنح والسماح،
فوصلْنا إلى أن بات ردع المخالفات شرارةً لإشكالات أمنية.
هذا المشهد العبثي في التعدّي على سلطة الدولة حين تردع التعدّي،
يذكّرنا بمقولة المفكّر الفرنسي پيار جوزف پرُودون: “الملكيّة هي التعدّي”،
حين يسود حُكْم اللاّحُكْم،
وحين يصير “الأمر الواقع” تَمَلُّكاً باغتصاب الحقوق العامة والأملاك العامة،
وتَعَدِّياً وقِحاً على هَيْبَة الدولة.