هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

997: شمس الحُبّ على جدار

الحلقة 997: شمس الحُـب على جـدار
الأربعاء 25 أيار 2011

تملأُ جدرانَنا شعاراتٌ وعباراتٌ
معظمُها استفزازيٌّ أو انحيازيٌ أو فئويّ،
وبعضُها وطنيٌّ حياديٌّ بَنّاء.
وحبّذا لو تنجمع هذه الشعاراتُ الأخيرةُ
لتتجمّع في نُصُبٍ جداريٍّ يكون شاهداً على وَحدة وطنية نحتاجها اليوم أكثر من أيّ يوم،
فيكون جداراً جامعاً تتوحّد فيه الشعارات من أجل هدفٍ واحدٍ للبنانَ الواحد الموحّد.
بلى: الجدار يمكن أن يُوحِّد، وليس دائماً جدارَ فصْلٍ وحاجزَ تفرقة.
كما الحال في فرنسا مع “جدار الحب”.
فبين أكثر النواحي جذْباً سياحياً في پاريس: تلة مونمارتر (Montmartre)،
الشهيرةُ بمعالمها الجميلة وأعلامها الشعراء والموسيقيين والرسامين.
وفي موقعٍ إلكتروني كنتُ أتصفّحه، رأيتُ فيها ظاهرةً سياحيةً طريفة هي “جدار الحب”.
الفكرةُ ابتدأت مع كاتب الأغاني والمغني فردريك بارون(Frédéric Baron)
الذي أخَذَ منذ 1992 يجمع على دفاتره كلمة “أحبُّكَِ” في لغات عدة
بلغت 1000 كلمة في 300 لغة ولهجة من جميع أنحاء العالم،
راح يحلم بمكان لها في پاريس
يشهد نشوب جدار وسْط حديقة خضراء
يكون مكاناً للحلم والانفتاح على الآخر.
ثم طلب إلى الرسامة التشكيلية كلير كيتو (Claire Kito) المتخصّصة بخطوط الشرق الأقصى
أن تخطِّط فنياً كلمة “أحبُّكَِ” (Je T’aime) في جميع تلك اللغات،
حتى إذا انتهَت،
عَهَدَ إلى فنان الجدرانيات دانيال بولونْيْ (Daniel Boulogne)
أن ينفّذ الفكرة جداريةً فنية،
بعدنا نال الرخصة من بلدية پاريس أن يقوم هذا الجدار على تلة مونْمارتر.
ونفّذ بولونْيْ المشروع على جدار من 40 متراً مربَّعاً (بعُلو 4 أمتار وطول 10 أمتار)،
مقسَّمٍ إلى 612 بلاطة صغيرة من حجر بركاني خزفي،
توزَّعت على كلٍّ منها كلمةُ “أحبُّكَِ” في لغة مختلفة.
وسرعان ما أصبح هذا الجدار مَعْلَماً سياحياً يسمّى “جدار أحبُّكَِ”
لا صامتاً كجدارٍ في ناحية قاحلة،
بل ناطقاً بكلمة “أحبُّكَِ” من كُلّ لغة وكُلّ بوح.
وكما للبندقية مَعْلَمُ “جسْر العشَّاق”،
ولأغرا الهندية مَعْلَمُ “تاج محل”،
أضيفَ لپاريس مَعْلَمُ “جدار الحب”.
وكما للعشّاق في العالم يومُهم في “عيد العشاق”،
بات لهم في پاريس مكانُ لقاءٍ عند فُسحةٍ يمكن فيها تصريفُ فعل الحُب بجميع الصيَغ واللغات.
هكذا:
في عالمٍ تُشَوِّهُه أعمالُ العنف،
وتَتَحَكَّمُ فيه الفرديةُ الأَنانية،
وفي حين الجدرانُ، كما الحدودُ، تنشُبُ للفصل بين الناس والبلدان والشعوب،
جاء جدارُ الحب همزةَ وصلٍ بين الناس،
ومكانَ تَصالُحٍ بين البلدان،
ومرآةَ سلامٍ بين الشعوب،
فإذا ألوانُ بلاطاته تُلائِمُ القلوبَ الجريحة
كي تلتئِمَ جراحاتُها وتَتلاقى على الحُب،
وإذا بِهذا الجدار كَوكبةٌ أَزهرَت فيها اللغاتُ واللهَجاتُ من كلّ الأرض كما نُجومٌ تضيء على الأرض.
هذا جدارٌ يَمحو كلَّ عنفٍ وكلَّ ظُلم،
أمثولةً لا للعشّاق وحسْب،
بل عبرةً للسياسيين أن يتعلّموا من العشّاق فيكتبوا نواياهُم الطيّبة على جدار،
ماحين منها كلَّ حقدٍ وضغينة،
عَلَّهم يَسُوسُون شعبَهم بالحُبّ الذي يبني الوطنَ السعيد
عوض انْهيارِهِ تَحتَ ضرَبات التخاصُم
يَتَلاكَمُها سياسيُّون كيديُّون على حساب شعبِهم والوَطَن.