هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

995: جريمة وعقاب

الحلقة 995: جريمة وعقاب
الأربعاء 11 أيار 2011

منذ الأُسبوع الماضي تنشر وسائل الإعلام، ومعظمُها نقلاً عن وكالات الأنباء العالَمية، سيناريوات مختلفة عن عملية قتل أسامة بن لادن وعن الجدل حول طريقة التخلُّص منه بِرَمْيِهِ في لُجج بحر العرب. وتُجمع أكثر الجهات أن هذا العمل أعاد العدالة إلى نصابها وقضى على تنّين الإرهاب في هذا العصر فنال جزاءه عقاباً بالموت على أَفعاله الخالية من تأنيب الضمير.
ذكّرني هذا الحدَث برواية دوستويفسكي “جريمة وعقاب” (1866) وكيف أنّ عقوبة راسكولنيكوف الحقيقيّة لم تكُن في الحُكْم عليه بالأشغال الشاقّة المؤبّدة بل بعذابٍ ظلّ يَهدر في رأْسه طوال فصول الرواية. ذلك أن عذاب الضمير جَلْدٌ لا إلى انتهاء.
ليس من ينكر أن أُسامة بن لادن إرهابِيٌّ مُجرمٌ سجّل في 11 أيلول 2001 أفظع اغتيال جَماعي في عصره.
غير أنّ هذا الفيلم الأميركي الطويل شاهده العالم ولم يظهر فيه القاتل ولا القتيل بِحجة أنّ جثته مشوّهةٌ، ستظلُّ نهايته تثير جدلاً طويلاً وتساؤلاتٍ كثيرُها مُحِقٌّ، أبرزُها:
– كيف تدخل دولة على دولة وتغتالُ مَن أذاعت وكالات الأنباء المختلفة بأنه كان غير مسلّح فاغتاله الشبح بطلقات مباشرة في رأسه؟
– طالما لم يكن مسلّحاً، لماذا لم يتمّ اعتقاله واقتياده مخفوراً إلى الطائرة التي هبطت على مقرّه وهو لم يكن مسيَّجاً بزمامير الإنذارات؟
– إذا كان قتله بهذه الطريقة مبرراً لأعراس الابتهاج مِمَّن ذاقوا بسببه المرارة القهارة والأسى الفاجع على فقدان أحبة لهم قضى عليهم جبروت هذا الأُسامة وصلَفُه وإجرامه التدميريّ، فهل قطْعُ رأس الأفعى يقطع نسل الأفاعي؟
– إخفاؤه في الكفن وَرَمْيُهُ في البحر العميق بدون عرض صورته المشوهة اتقاءً لضربات الانتقام، هل يلغي نوايا الانتقام لدى أتباعٍ قد يكونون أكثر إرهابية منه عند الثأْر لِمقتله؟
نسأل هنا، بل نتساءل:
– هل باتت العدالة في هذا القرن أنّ من يريد الانتقام من أحدٍ يذهب فيطلق عليه رصاصة في رأسه؟
– إذاً لِماذا اجتمعت الدول الحضارية وأنشأت مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان؟
– وما دامت الأميركا لاحَقَت من نفَّذوا جريمة 11 أيلول ولم تقتلهم فوراً رمياً بالرصاص، بل احتجزتهم تَمهيداً لِمحاكمتهم بعدالةٍ لإنزال العقاب بِهم، ألم يكن أحرى بِها أن تثير اهتمام العالم، أكثر، بعرض مُحاكمة مُجرم العصر الحديث عوَضَ لَفْلَفَتِهِ في كفنٍ عاجلٍ والإسراع في إخفائه؟
إن العدالةَ تُودِي إلى العقاب لِمن يستحِقُّه.
وأعدلُ عقابٍ: ذاك الذي تنصُّ عليه قوانينُ الإنسانية.