هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

990: خَبَر عاجل

الحلقة 990: خَــبَـر عـــاجـــل
الأربعاء 6 نيسان 2011

دَرَجَت مَحطات التلڤزيون على موازاة برامِجها المعتادة بشريطٍ متحرِّكٍ أُفُقياً
تُمرِّرُه في أسفل الشاشة
لإطْلاع الْمُشاهدين على آخر الأخبار والتصاريح ومُجريات الأحداث في لبنان والعالم.
ويحدث أحياناً أن يقطع هذا الشريطَ “خبر عاجل”
تُخصِّص له الشاشة مساحة عريضةً وأحرفاً نافرةً وإخراجاً لافتاً.
ويزداد ورودُ هذا “الخبر العاجل” كلما تسارعت الأحداث،
كما في الآونة الأخيرة مع خَبَب الأحداث حولنا في العالم العربي،
بين ليبيا ومصر وسوريا وتونس والأردن واليمن وسواها
حيثما تنشط التحرُّكات الشعبية مَدّاً وجَزْراً، فتحتدمُ الثورة هنا ويقمعُها النظام هناك،
والْمُشاهد يتابع البرامج ويطالعه “الخبر العاجل” في أسفل الشاشة عن الغليان الحاصل في الدول العربية القريبة والبعيدة، وانتقالِ الشعب من تعييش الحاكم اليوم “بالروح بالدم” إلى خلْعه غداً ونفْيه ونشْر فضائحه المالية والسياسية.
ونحن؟ ماذا عندنا نحن؟
بات الْمُشاهد عندنا معتاداً على أخبارٍ غيرِ عاجلة، باردةٍ، روتينيةٍ، كأنّ ما يجري حولنا لا يعنينا، بينما الذي يجري عندنا يُبقي الوضع اللبناني في الثلاّجة، أو في برّاد المشرحة، أو في حالة الموت السريري.
لا شيء عندنا. لا شيء.
سكونٌ وأخبارٌ روتينية
وَوُعُود صدئةٌ لا تتحقّق،
ومواعيد تُضرَب ولا تتحقّق،
وآمال مورفينية يُخدرون بها الشعب ولا تتحقّق.
لا شيء عندنا. لا شيء.
تصاريحُ معلوكةٌ،
تَشاتُماتٌ وقصْفٌ كلاميٌّ سياسيٌّ متبادَل،
والبلد على حاله:
موتٌ سريريٌّ لوضعٍ لا يبدو الممسكون به مستعجلين على حلّه،
بل منشغلين بتصاريحهم الْمَوتورة ومصالحهم الشخصية وحساباتهم الانتخابية وپوانتاجاتهم الوزارية.
لا شيء عندنا. لا شيء.
لا خبر يستحق أن يكون “الخبر العاجل” على شاشات التلڤزيون.
نحن كنا السبّاقين في انفجار غضب الشعب وكان العالم العربيّ نائماً تحت خَدَر حُكامه،
وها العالم العربي انتفض اليوم وقام وثار على سياسييه وبات يغيّر الأنظمة،
وبتنا نحن في “كوما” عميقة أوصلَنا إليها سياسيون لم يتعلّموا بعدُ من البراكين المتفجِّرة حولنا.
“الخبر العاجل” صار عند سوانا، ونحن صرنا في الخبر السُّلَحفاتِيّ.
ولكنّ هذا لن يطول.
فالشعب الذي ينتظر أن يتحرّك من وَثِقَ بِهِم وأَولاهُم مصيرَه،
لن يبقى ينتظرُ وُعُودَهم
من يوم إلى يوم،
ومن أُسبوع إلى أُسبوع،
ومن تأجيل الى تأجيل،
ومن تنظير إلى تنظير،
ومن تَخدير الى تَخدير.
الشعب لن يبقى متفرّجاً على تشاتُمات السياسيين من وراء متاريسهم الإعلامية.
و”الخبر العاجل” الذي يُخبر عندنا ما يَجري عند سوانا،
سينتقل قريباً ليُخبر سوانا ما يَجري عندنا،
من أنّ شعبنا السبّاقَ في كلّ شيء،
استَبَقَ سُلَحفاتيّة سياسيّيه وبات هو “الخبر العاجل” لا عندنا وحسب،
بل على شاشات العالم الذي سيرى
كيف لبنانُ الذي كانَ شرارةَ الغضب المليونية،
عاد بُركان غضبٍ على سياسيين فيه أَوصَلوه إلى أن يكون اليوم في حالة الموت السريريّ.