هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

38: محمد علي شمس الدين: “آسيا”

الكلمة الأَحَبّ

ما الكلمة؟ مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامك إياها أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد سبعة وثلاثين جواباً من وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني وجوزف أبي ضاهر وسلوى السنيورة بعاصيري وجوزف جبرا وزهيدة درويش جبور ومي منسّى وهدى النعماني وغالب غانم ومحمد بعلبكي وهشام جارودي وألكسندر نجار وجورجيت جبارة وغازي قهوجي وسمير عطالله وإلهام كلاّب البساط وأنطوان مسرّة وفاديا كيوان وريمون جبارة وسلوى الخليل الأمين وندى عيد وهنري العويط ومنير أبو دبس وندى الحاج ونجوى نصر وهناء الصمدي نعمان ووردة زامل ونُهاد نوفل وكريستيان أُوسّي وفؤاد الترك وشوقي بزيع وأسعد مخول وإيلي مارون خليل ومفيد مسوح، هنا الجواب الثامن والثلاثون من الشاعر محمد علي شمس الدين.
هنري زغيب
email@henrizoghaib.com

__________________________________________
________________________________________________
___________________________________________________

38) محمد علي شمس الدين: “آسيا”
الأربعاء 23 آذار 2011

حصَلَ ذلك قبل أن أُسَمّي ديواني الأَول “قصائد مُهَرَّبة إلى حبيبتي آسيا” (دار الآداب – 1974)، وقبل أن أُسمي ابنتي “آسيا” (المولودة في أواخر 1975).
حصَلَ ذلك في ما يُشبه الْهَجْس الداخليّ، أو الْمَسّ الذي كان يداخِلُني من طفولتي حين كان يقترب حرفٌ من حرفٍ آخَر ليَتَشَكَّلَ منهما الصوت.
حصَلَ ذلك معي قبل اللغة على الأرجح، في مرحلة الصوت أو الغناء.
وتَيَقَّنَ ذلك عندي، في ما بعد، في زمن الوعي والنّظَر. فـ”الألِفُ والسِّين هما أساسُ كلّ شيء” لدى ابن منظور.
سَبَقَ لي وحَدَّثْتُ العلاّمة الراحل آخر نُسور اللغة العربية الشيخ عبدالله العلايلي حول بعض هواجسي في اللغة، وأنني، من ضَمِّ حرفٍ إلى آخَر، يَتَوَلَّدُ لديَّ أحياناً ما يشبه “المتعة اللغوية”، وهي “نشوةٌ موسيقية” على ما قلتُ له، فأجابني مبتهجاً: “نعَم. الإنسانُ غنّى قبل أن تكلّم باللغة”.
آسيا، في الأساس، صوتٌ هو السِّين الْمُمْتَدّ بين أَلِفَيْن مَمدودَتَين كنداءٍ طويلٍ أستطيع أن أَمُدَّ به إلى ما بعد انقطاع النَّفَس. ويَمتدّ هذا النِّداء في مدى غير مَحدود، في الْمُطلق. ولستُ أدري لماذا كنتُ، ولا أَزال، أَجدُ متعةً في الأَسى.
هنا، قبل المعنى وبعد المعنى، عثرَتْ نفْسي على جوهرة الصوت أوّلاً، ثم، بعدَما تركّزَت الجوهرة “آسيا”، بدأَ التعليلُ والتفسير. فثمة من يحملُها على اسم امرأة، وهو ما أُحبُّه وأُرجِّحُهُ، وثمة مَن يَحملُها على اسم أرضٍ وقارّة.
ولست أدري من أين أتى اسم هذه القارة “آسيا”؟
ومثل أوروبا المحمولة على اسم “أُوروبَّ”، وهي امرأة تاريخية كما تقول الميثولوجيا، كأنّ اسم “آسيا” محمول على اسم امرأة تاريخيّة أو ميثولوجيّة هي “آسيا”.
وليست بعيدةً، هذه القارّة، عن الأسى مفتوحاً مقصوراً، وهو الحزن.
يعتقد كُثُرٌ أنني سمّيتُ ديواني الأوّل على اسم ابنتي، والعكس هو الصحيح. فقد سَمّيتُ ابنتي على اسم الديوان، وسَمَّيتُ الديوانَ على أساسٍ من الإيقاع الْمُبَكِّر الذي لا أعرف له سبباً في العقل أو المنطق أو الجغرافيا أو علْم الأسماء.
ولعلّي كنتُ أتَمنّى أن يكون لي هذا الإسم. فهو ليس ذا جنْسٍ بِعَينه، لأنه موسيقى وإيقاع.
ولما كانت تسميتي باسمي سبقَت وعيي كيمياء الحروف والكلمات، فقد أضفيتُ الاسم على العزيزَين الجميلَين: قصائدي وابنتي.
هذا كلُّ ما في الأمر.
وهناك أسبابٌ أُخرى لانحيازي إلى آسيا، لا أستطيع ذِكْرَها، والله أعلَم.
___________________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة التاسعة والثلاثون: الدكتور مفيد موسى.