هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

684: ولْيكُن رفيقهم منذ الطفولة

ولْيَكُن رفيقَهم منذ الطفولة
السبت 19 شباط 2011
– 684 –

احتفاءُ اللجنة الوطنية لليونسكو بـ”يوم اللغة الأُم” (21 شباط كلّ عام)،
في مسابقةٍ لـ”أفضل اختيار نصّ نثري وقراءته”،
بادرةٌ نبيلةٌ لتنشيط القراءة بين تلامذة المدارس،
وتَحفيزٌ فعَّال لِحَثِّهم على قراءة رواية كاملة فاختيارِ نص منها لتلاوته على المسرح.
وهذه بادرةٌ تساعد على الشفاء من ضآلة تعاطٍ مع الكتاب
لا تُشفى مع مَن كبروا واعتادوا ألاّ يقرأُوا،
بل بشفاعة الذين يَهُمُّون بالقراءة ولم يكبروا بعد،
حتى يكبروا منذ سنواتهم الأُولى على الكتاب رفيقاً وصديقاً
ورفيقاً يومياً تنفتح عليه عيونهم وينامون وهو إلى جانبهم عند حافة السرير.
في الغرب، لتشجيع الأطفال على مصادقة الكتاب، يعمد الناشرون إلى إصدار كتبٍ ذات أشكالٍ غير تقليدية:
– إسفنجة تروي للطفل قصة طفلٍ مثله يستحمُّ ليبقى نظيفاً،
– حيوان أليف يروي قصة هذا الحيوان بخلفيةٍ هادفة،
– أَلْبُوم صوَرٍ جذّابة،
– حروف الأبجدية،
– أَلعاب تثقيفية فيها فراغاتٌ تَملأُها حروف،
– كتب رُسومٍ وقصص مصوّرة ذات شخصيات مُحببة،
– كتب تنفتح على أغنياتٍ جميلةٍ يتعلّمها الأطفال فتوجِّههم نحو تصرُّفات اجتماعية سليمة،
– كتُب هادفة تقرّب من الأطفال والأولاد قيَماً حياتيةً صعبةً (حقّ الاختلاف، ظواهر اجتماعية، حُسْن تصَرُّف، قبول الآخَر،…)،
– إلى أشكال أخرى لا تُحصى تقرِّبُ الأطفال من غدهم فيما تقرّب الكتاب من الأطفال.
بِهذه الطرائق التعليمية التربوية التثقيفية يصبح الكتاب في سلُوكيات الطفل اليومية منذ سنواته الأُولى،
فينشأُ على هذه السلوكيّات،
وتُزَاملُه يوماً يوماً حتى تباتَ تصرُّفاً عادياً طبيعياً يتنامى
فيتّسع إلى اعتياده لاحقاً على حضور أمسيات موسيقية ومسرحية وأدبية ومعارض فنية
تصبح جزءاً عضويّاً من طبيعته العادية وحياته اليومية.
ومن الأطفال في سنواتهم الأُولى إلى الأولاد في سنواتٍ لاحقة،
حين تتوافر أمامهم أساليبُ وطرائقُ ووسائلُ ووسائطُ كثيرة،
من مكتباتٍ عامة في أحيائهم،
ومراكز ثقافية لاستئجار الكتب أو استعارتها،
وهيئات أو نوادٍ تَجري فيها لقاءاتٌ لمناقشة الكتب،
إلى تسهيلات أخرى تجعل القراءة موقفاً حياتياً غير محصورٍ بالكتاب وحده
بل تشمل قراءة الجريدة والمجلة وكلّ ما يتوافر في أيّة لغة وفي أيّ موضوع مُفيد.
المهم أن يمسك الأولاد بين أيديهم ما يَجذبُهم إلى القراءة والاطّلاع.
هذا الموقف من الكتاب يتجلّى “طبيعياً” في الغرب لدى الكبار
حين نشهد صفوفاً صباحيةً طويلة
لِمواطنين ينتظرون لا أمام شباك تذاكر السينما ولا المسرح ولا المطعم ولا الحانة
بل أمام مكتبة يشترون منها كتاباً قرأُوا عن موعد صدوره ويلهفون إلى اقتنائه قبل نفاد طبعته الأُولى.
فالقراءة عندهم فُضولٌ سلوكيٌّ وينبوعُ ثقافة أوّل.
لذا نراهم يقرأُون في الباص، في القطار، في الطائرة، في محطات الانتظار،
فلا يسافرون ولا ينتقلون إلا وفي حقيبتهم كتابٌ أو مجلةٌ أو أخيراً جهازٌ صغير للقراءة الإلكترونية.
هذا الأمر ليس بعيداً عنا في لبنان.
فتشجيع النوعية وجودة الكتاب متوافرة عند معظم المعنيّين بالكتاب، نشراً أو تلقّياً أو استهلاكاً.
ولم تقصِّر سنة “بيروت عاصمة عالمية للكتاب” في إنشاء أنشطة تشجيعية للقراءة، ومحترفات كتابة، ومسابقات ومباريات،
كنا نتمنّاها حافزاً للمواصلة التلقائية لا أن يتوقف معظمها مع انتهاء سنة “العاصمة العالمية”.
من هنا قلتُ إن القراءة “موقف”.
فمن يقرأ يكتب، ومن يكتب يعرف أن الكتاب وسيلة وغاية معاً، لارتباط القراءة عضوياً بالكتابة.
هكذا لا يعود الإصدار الجديد فقط هو المعيار للقراءة، فكلُّ كتاب صالحٌ للقراءة ولو كان قديم الصدور.
وهواة الكتب القديمة غير قليلين، يقتنونها عن البسطات في الشارع أو من تجّار الكتب القديمة والمخطوطات النادرة.
وثمة التهادي.
فعند القيام بزيارة أو عند حصول مناسبة أو عيد أو ذكرى،
ليس أغلى ولا أبقى من إهداء كتاب
عوض زهور أو حلويات أو أيّ ما يذوي ويندثر بعد حين فيذهب إلى النسيان.
المهمّ هو الاحتكاكُ الحسي مع الكتاب ليكون جزءاً من الحياة اليومية
فتتنامى معه وبفضله سلوكياتٌ أخلاقية واجتماعية وحياتية وثقافية
هي التي تُعطي هوية الفرد ومستواه،
وتالياً تُسبِغُ على المجتمع كلِّه هويته الحضارية.