هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

985: جَزْرة؟ بيضة؟ أم حبّةُ بُنّ؟

الحلقة 985: جَزْرة؟ بيضة؟ أم حَبَّةُ بُـنّ؟
الأربعاء 2 آذار 2011

في حكايةٍ أنّ سيّدةً مُحاصَرَةً بِهُمومها اليوميّة قصدَت أمّها تشكو لها حالَها بِبَعض يأْس.
أدخلَتْها الوالدة إلى المطبخ، وملأَت ثلاثةَ أوعيةً ماءً أشعلَت تحتها النار، حتى إذا غلَت المياه وَضَعَتْ في الوعاء الأول جزْرةً، في الثاني بيضةً، وفي الثالث حفنةَ بُنّ مطحون.
بعد عشرين دقيقةً أطفأَت النار ونقلَت الجزَرة إلى صحن، والبيضةَ إلى صحن آخر، وسكبَت القهوة في فنجان.
ثم طلبَت من ابنتها أن تلمُسَ الجزرة والبيضة وتشمّ القهوة.
فعلَت الابنة ذلك وسألت أمَّها عن مغزاه، فأجابت الوالدة أن كلاًّ من هذه المواد الثلاث واجهَت صعوبة واحدةً هي المياه الغالية، لكنّ كلاً منها تفاعلَت مع تلك الصعوبة في طريقة مُختلفة:
الجزْرة بدأَت قاسيةً وقوية، وبمواجهة النار تَحوَّلَت رخوة ليّنة.
البيضةُ بدأت خسعةً بقشرة رقيقةٍ تَحوي سائلاً رخواً، وبمواجهة النار تَحوَّل السائلُ الرخو فيها جسماً قاسياً.
وحبوبُ البُنّ المطحونةُ بدأَت منفصلةً واحدتُها عن الأُخرى، وبمواجهة النار تحوَّلَت جسماً سائلاً واحداً متماسكاً.
“هكذا أنتِ، يا ابنتي، عليكِ أن تقرّري ماذا تكونين لدى مواجهة الصعوبة: جزْرةً؟ بيضةً؟ أم حَبَّةَ بُن مطحونة”؟.
الشاهدُ من هذه الحكاية:
ماذا يريد كلٌّ منا أن يكون أمام الصعوبة؟
جزْرةً قاسية تُرخيها قسوة المواجهة؟
حبةَ بُنّ مطحونةً تُلغي فرديّتها وتذوب في المجموعة؟
بيضةً تُقوّيها الصعوبة فتنتقل من الرخاوة إلى القساوة؟
قد يقول البعض:
إنّ حبة البُنّ تَفقِد شخصيتها لتندمجَ في الكُلّ المتناسق،
وإنّ الجزْرة ليست مثالاً لنهجِ حياةٍ يُحتذى بالانهيار إلى الرخاوة.
وقد يرى البعض أنّ البيضة مثالٌ للتحوُّل من الرخاوة إلى الصلابة أمام قسوة النار، خصوصاً أنّ البيضة رمزُ الخصوبة التي تُحوِّل من جسمٍ إلى جسم، ورمزُ الحياة التي تُحوِّل من حال إلى حال، ورمزُ الانبعاث الذي يُحوّل الموت إلى قيامة.
وفيما نحن مقْبلون على الصوم الكبير الذي ينتهي بالموت فالقيامة،
والصيامُ إماتةُ الجسد في سبيل إحياء الروح،
وقهرُ الجسم في سبيل غبطة النفس،
يَجدُرُ بنا التأمُّلُ في الذات الجوانية لكلٍّ منا قبل أن نلتفتَ إلى ما لدى السوى،
ولْنتأمّل في ما نريد أن نكون، لا في زمن الصيام وحسب، بل عند كلّ فاصلةٍ من حياتنا نكون فيها مرشحين أن نواجه صعوبةً تقتضي منا حلاًّ ومواجهة.
فكيف نواجه نار الصعوبة؟
بأن نكون جزْرةً تتراخى أمام النار؟
أم حَبّةَ بُنٍّ مطحونةً تَفقِد الذات وتذوب في السوى؟
أم بيضةً تُحوِّل رخْوَها السائل إلى كتلةٍ صلبة؟
لكلٍّ منا صعوبتُه، وأمام كلٍّ منا خِيار.
وبقدْرما حكيماً يكون هذا الخِيار،
تعطينا الحياةُ فرصةَ التفكير كي نُحَكِّم الحكمة،
ووَفقَما يكون هذا الموقف:
نتراخى أمام الصعوبة فَتَسْحَقُنا وتَمضي،
أو نقوى أمامها فنَمضي في طريق الحياة، مُستاهلين رحابةَ الطريق ومُستحقّين فرحَ الحياة.