هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

982: … بل هذه هي الترويكا “السيادية”

الحلقة 982: … بل هذه هي الترويكا “السيادية”
الأربعاء 9 شباط 2011

في كل موسمٍ عند تشكيل حكومةٍ جديدة،
يَكثُرُ الحديث بين أقطاب السياسة في البلاد عما يسمُّونها “الوزارات السيادية”،
مشيرين أساسياً إلى الداخلية والخارجية والمالية والعدلية.
وتدور المناقشات والمناوشات والمراقشات بين كتلة وكتلة، وحزب وحزب، وتكتُّل وتكتُّل، وتيّار وتيّار، وجَبهة وجَبهة، وكلُّها حول هذه أو تلك من الحقائب المسمّاة “سيادية”.
في المنطق السليم أنّ كلَّ وزارة هي “سيادية”،
يزيد من “سياديتها” وزيرٌ يتولاّها يكون ابنَ بيئتها ووسَطها وميدانها وناسها فيُفعِّل عملَها ويطوّر إنتاجيَّتها ويتقدّم بها إلى مراتبَ أعلى في تحسين أداء الدولة انطلاقاً من كلِّ وزارة تتفعَّل على حدة.
غير أن الحاصل ليس دائماً كذلك،
لأن وزراء كثيرين يجيئون إلى الحكومة بفعل الكوتا السياسية والطائفية والمناطقية،
لا يكونون من بيئة وزارتهم ولا من وسَطها ولا من ناسها،
فيُمضُون ولايتَهم كلَّها في تلك الوزارة يُصَرِّفون أعمالها إدارياً
ويوقّعون معاملاتها وبروتوكولاتها واتفاقاتها المهيَّأَة لهم سلفاً
كما لو انهم في تصريف أعمال حتى ولو لم تكن حكومةَ تصريف أعمال.
وكلَّ مرة، عند تشكيل كلّ حكومة، وفي زحمة التنافس على الفوز بوزارة “سيادية”،
لا أسمع مطلقاً عن تنافسٍ على ثلاث حقائبَ ذاتِ عَصَبٍ رئيس في كيان الوطن،
هي وزاراتُ الثقافة والسياحة والتربية.
غريبٌ أمرهم،
هؤلاء السياسيُّون المتنافسون على وزارات “سيادية” ووزارات “خدماتية” ووزارات “ذات منفعة انتخابية”،
لا يرَون في تلك الوزارات الثلاث ما يغريهم في المطالبة بها
معتبرينَها ثانوية لا تخدُم مصالحهم ولا تؤمِّن خدماتٍ لِمحاسيبهم والأزلام.
مع أن هذه الثلاث هي ترويكا أساسيةٌ في بناء الوطن.
فوزارة الثقافة ذاكرةُ لبنان الأمس واليوم والمستقبل،
لرعايتِها الإبداعَ اللبناني بأعلامه وأعماله ومعالمه،
وهي التي تنشرُه في العالم وطناً غيرَ عاديّ بما لديه من ثروةٍ فكرية وفنية وتراثية مضيئة في التاريخين القديم والمعاصر.
ووزارةُ السياحة مرآةُ لبنانَ الجمال والفصول،
تَجعله وُجهةً عالميةً،
ونقطةَ جَذْب السيّاح إلى معالِمنا الغنية المنوّعة التي فيها:
السياحة الطبيعية والسياحة الثقافية والسياحة الدينية
والسياحة البيئية والسياحة الاستشفائية والسياحة الشتائية والصيفية،
وهي موردٌ رئيس من موارد خزينة الدولة التي
باتت في السنوات الأربع الأخيرة تتباهى بالأعداد المليونية على أرضنا.
ووزارة التربية مستقبلُ لبنان،
فأيُّ وطنٍ لنا غداً
إن لم نُرَبِّ أجيالنا الجديدة على آفاق لبنان الحضارية والثقافية والعلمية،
حتى يتكوّنَ لنا جيلٌ في مدارسنا والجامعات،
يتسلّم غداً قيادةَ الوطن وَفْق ما تَخرَّجَ عليه من مبادئَ وعلْمٍ وقيَمٍ ومعارف غنية!
مع ذلك يُشيحُ قادةُ تشكيل الحكومات عن هذه الترويكا “السيادية”:
الثقافةُ ذاكرةُ لبنان، والسياحةُ مرآةُ لبنان، والتربيةُ مستقبلُ لبنان،
لينصرفوا إلى مُشاحنانهم وعَنْعَنَاتِهم وتصاريحهم ومؤتمراتهم الصحافية
وتَجاذُباتهم حول وزاراتٍ “سيادية” تَخدُم مصالحهم وكيديّاتهم ونواياهم وحساباتهم الشخصية
أكثر مِمَّا تَخدمُ ذاكرةَ لبنان ومرآةَ لبنان ومستقبلَ لبنان.
ويا تَعْسَ دولةٍ
يتشاحن فيها السياسيون على “سياديّات” عابرةٍ زائلة،
عوَضَ التطلُّع إلى ترويكا الذاكرة والمرآة والمستقبل،
كي يبقى لبنانُ لؤلؤةَ الشرق الـمُشِعَّة،
وسْطَ ما يعرفه هذا الشرق اليوم من تَغَيُّراتٍ في خارطته السياسية والبشرية.