هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

978: لا تُخيفكم هذه التجمُّعات

الحلقة 978: لا تُخيفنَّكم هذه التجمُّعات
الأربعاء 26 كانون الثاني 2011

في عتمة الليل، والسُّكونُ خيمةٌ حافية،
أشباحُ رجالٍ متلاحِقين، وَصَلوا قبل انسحاب الليل، أعداداً أُولى، دُفعةً أُولى.
صامتين وصلوا.
رصيني المشية المترجِّحة بين الركض والمشي السريع والهرولة.
بدلاتُهُم متناسقة، خَطَواتُهم متقاربة.
وما هي حتى يتفرّقوا، يتباعدوا، ويظلوا جادّين على خُطاهُم الجِدّيّة الواثقة السريعة، ويبتعدون سِراعاً لا متسرِّعين.
يبدأُ الليل بالانسحاب.
تُطِلُّ حُبَيْبَاتُ النهار من نافورة الليل.
تتّضح ملامحُ الأشباح أكثر.
تصل دفعةٌ ثانية، أقلُّ هرولةً وركضاً.
تَجَمُّعاتٌ، وهَمْسٌ، وبعضُ كلامٍ غير صيَّاح.
تتفرَّق التجمُّعات، يبدأُون بالتَّوَجُّه.
الوُجهة واحدة، لكنّ بلوغَها متفاوتُ المشية والعزم والسرعة.
يتزايدُ العدد.
تتوالى التجَمُّعات جماعاتٍ لا أَفراداً.
يتتالى تَفَرُّقُها صوب الوُجهة الواحدة. كأنها مَهَمَّةٌ معروفةٌ سلفاً بوُجْهتها وَوُجوهِها.
ينسحب النَّفَسُ الأَخير من تَنَفُّس الليل.
يتَّضح الصبح أكثر.
تجتاح المكانَ أنواعٌ مختلفةٌ من آلياتٍ تصاحب فيالق المشاة.
تُطلُّ عربات رباعية الدفع ذاتُ تقْنيةٍ عاليةٍ متطوِّرة دقيقة التشغيل، نظراً لأهمية الحمولة.
فَمَن فيها من الغوالي التي لا تفريط فيها.
يتزايد وُضوحُ النهار.
يزداد المشاة على رصيف البحر مهرولين أو سِراعاً في خطواتٍ متقاربة.
أفراداً يمشون أو جماعاتٍ، ضاحكين متحدّثين، مسترسلين في رياضة الصباح،
منهم من قطع المسافة ذهاباً ويعود إياباً ليلتقي من لا يزالون إلى الذهاب.
وحدَهم يبطئون، مَن يدفعون عربات الأطفال أو يسيرون حَدّ درّاجات الأطفال الثنائية الدواليب أو ثلاثيتها.
تزداد الجموع، يكتظّ الكورنيش بالمشاة،
هواةِ الجري اليومي والمشي الصباحي،
في جَوِّ من الأمان والهدوء والهناءة،
متجاورين، متحابّين،
متصادقين، متزامِلين،
متشاركين في سُوَيعَةٍ صباحيةٍ واسترخاءٍ رياضيٍّ وصحيّ،
لا يعكّر صفْوَهُم هديرُ الموج قرب أقدامهم،
ولا يُقلق استرخاءَهم حدَثٌ مفاجئ أو حادثٌ مؤسف.
هو هذا المشهدُ الصباحي الهانئ، في مدينةٍ هانئة، لمواطنين آمنين هانئين،
يزاولون رياضتهم الصباحية اليومية،
أفراداً وكُتلاً وأصدقاء وعائلاتٍ وأطفالاً وأولاداً.
مرَحٌ مستريحٌ على شط بيروت،
بين الروشة المهيبة وعين المريسة الهادئة،
لِمُواطنين يبدأُون نَهارَهم بتفاؤل الحياة في عروقهم النشطة، وهم نبضٌ طيِّب في عروق لبنان.
وها أنتم، أيها السادة السياسيون،
تُفسدون على هؤلاء الطيبين هناءتَهم الصباحية
وهدوءَهم اليومي
وأمانَهم الوطني
وحياتَهم اللبنانية
وإرادةَ العيش معاً في حبّ الحياة،
فتصدمونَهُم بِما تَجترحون من تشنُّجات تصريحية،
وتَجمُّعاتٍ مسلّحة،
وأشباحٍ في زواريب،
وأيادٍ مرفوعة في الهواء،
وقبضاتٍ ناشبةٍ في وجوه الآمنين،
وذُعرٍ يعيق أولادهم من الذهاب إلى المدارس،
وقلقٍ يَحُول دون تَوَجُّه الناس إلى أعمالهم ومصادر عيشهم.
كل ذلك وأنتم تَشُدُّون هذا الوطن إلى جهةٍ تُرادُ له
وهو لا يريدها،
كما لا يريدها هؤلاء الناس العفويُّون الذين
في تجمعاتهم سِلْمٌ وأمان،
وفي تَجمعاتكم مآسٍ وفواجع.