هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

976: شرارةٌ تتمدَّد شرارات

الحلقة 976: شرارةٌ تتمدَّد شرارات
الأربعاء 19 كانون الثاني 2011

تتّسِعُ بين عاصمةٍ عربية وأُخرى ظاهرةُ قيام مواطنٍ بإضرام النار في جسده حتى الموت،
احتجاجاً أو يأْساً أو إعلانَ شرارةٍ تتمدَّد شراراتٍ،
وتبلغ حجم حريقٍ فاجعٍ يُطيح شارعاً، فاثنين، فمدينةً،
حتى يصل إلى قصر الحكم والسيطرة عليه وإخراج الحاكم.
من تونس ابتدأت الشرارة،
وتماثلَت في الجزائر ومصر،
ومرشَّحةٌ للتماهي في عواصمَ مُجاورةٍ أو شبيهة،
حتى ليخشى البعض أن تبلُغَنا الظاهرةُ هنا في شكلٍ أو في آخَر.
غيرَ أن هذا، عندنا، ليس جديداً، ولا خشيةَ من حُصُوله لأنه حاصل.
وإذا كان الأفرادُ هناك يقومون بإضرام النار في أجسادهم حتى الموت،
فالوضعُ عندنا معكوس،
لأن حفنةً من السياسيين عندنا
هي التي تُضرم النار في أجساد المواطنين جميعاً حتى التلاشي فالموتِ النفسيّ والاجتماعيّ والمعيشيّ،
ما يؤدّي إلى يأسٍ مالِحٍ أين منه موتٌ بطيءٌ يَقْتُلُ أكثرَ من موتٍ في مَحرقةِ نارٍ يُضرمُها في جسده مواطنٌ فَرد.
المواطن اللبناني اليوم مُحاصَرٌ بِحريقٍ يأتيه،
لا من يده التي لم يضرم بها النار في جسده،
بل من متابعتِه الأخبارَ صباحاً،
وقراءتِه الصحُفَ نهاراً،
واصطدامِه بأوضاعٍ لوجستيةٍ ومعيشيةٍ ومهَنيةٍ،
وتَهديداتٍ اصطفافيةٍ،
وتصاريحَ متشنّجةٍ،
ومؤتمراتٍ صحافيةٍ تنديدية،
وأَصابعَ مرتفعةٍ في الهواء،
وقبضاتٍ مرتفعة في وجه الشعب،
ومستقبلٍ رجْراجٍ يُواجه أولادَ الناس،
وقلقٍ يوميٍّ يصحو معهم وينام معهم ويُجاورُهم كيفما تَجَوّلوا وتَحرّكوا،
وشارعٍ يتأجَّج برمادٍ ساخنٍ
لا يدري الناس متى تنشبُ من تحته النارُ لتُحَوِّل رمادَ الشارع رماداً من البشر،
ولا يَجدُ الناس أفقاً مفتوحاً على صحوٍ سياسيّ أو أمنيّ أو اجتماعيّ أو معيشيّ،
فيشعرون أنهم في أَتون نارٍ يُحرقهم،
لا يَـدَ لهم فيه،
لكنَّ لهم حصَّةً فيه لأنهم هُم المكْتَوون
المحترقون بتلك النار السياسيةِ الهوجاءِ
تُطالعهم بين صَباحٍ وصباح،
وتُهَدِّدهم بين غُروبٍ وغُروب،
وتُقفِل أَمامهم أبوابَ أملٍ لا يدرون من أين سيأتيهم وسْط هذا الجو الضاغط القاتم.
لذلك لا خوف من أن يقوم مواطنٌ في لبنان بإضرام النار في جسده،
فأجسادُ المواطنين جميعاً مُضْرَمةٌ فيها نارُ القلق والجزع والمصير المقنّع.
وليس يدري أحدٌ متى تنطفئ هذه النارُ التي أضرَمَها،
لا في أجسادهم فقط بل في جسَد الوطن،
سياسيّون لا يَرَون من المستقبل سوى مصالِحِهم الشخصية والشخصانية ومواقعهم السياسية،
يَبلغونها بكَيدياتٍ وتعكيساتٍ ومعاكساتٍ وتأْجيلات،
وشروطٍ وتصاريحَ ومواقفَ تَخدم نَيرونيّاتِهم القاتلة،
فيُشْعِلون نارَهُم في البلادِ كلِّها، بنَاسها ومعالمها،
من أجل أن يتجنَّبوا… نارَ الحقيقة الآتية.