هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

971: من جولات الصَّدّقة إلى جولات “البوكس”

الحلقة 971: من جَولات الصَّدَقة إلى جَولات “البُوكْس”
الأحد 2 كانون الثاني 2011

غداةَ عيد الميلاد،
تَحدّثتُ (في الحلقة الماضية هذا البرنامج) عن بادرة الميلاد في يوم الصَّناديق (Boxing Day)،
وهو صندوقُ صَدَقةٍ وزَكاةٍ للمحتاجين في العيد.
وغداةَ رأس السَّنة، اليوم،
أَتَحَدَّثُ عن يومٍ آخرَ هو أيضاً Boxing Day إنّما لا البوكس بمعنى الصندوق،
بل البوكس في المفهوم الرياضي، أي الملاكمة.
ذلك أنّ لبنان، مع مطلع هذا العام الجديد، ينتقلُ:
من ساحةِ حوارٍ وتفاهُمٍ وبِنَاء،
إلى حلَبةِ صراعٍ وتناهُشٍ وملاكمة.
فمنذ ما قبل الأعياد، “بشَّرَنا” بعض السياسيين بأنهم – ويا ما أنبلَ نواياهُم ومقاصدَهُم –
سيُمَرِّرون فترةَ الأعياد هادئةً هانئةً سليمةً،
ويوفِّرون علينا ظُهورَهُم التلڤزيوني وإدلاءاتهم الإعلامية ومؤتمراتهم الصحافية
وَوُعودهُم ومَوَاعيدَهُم وَوَعيدَهُم،
ريثما تمرُّ فترة الأعياد،
ثم بعدَ الأعياد:
يعاوِدُون العادةَ المعتادةَ باعتيادنا على “أعيادهم” الخطابية و”أعوادهم” الوطنية
وابتعاداتِهم تَوَغُّلاً في شنِّ الهجَمات واللكَمات والبوكْسات إلى أَمان الوطن وأمْنه وأمانيه،
حتى يكونَ الوطنُ كلُّه في إمْرتهم، وَوَفْق خُطَطهم ومَطالبهم وشُروطهم، وإلا…
وكما يتحفّز الملاكم في رياضة البوكس للانقضاض على غريمِه وخصْمِه ومنافِسِه وِسْع الحلبة،
هكذا يتحفّز بعض السياسيين للانقضاض على بعضِهم الآخر وِسْع مساحة الوطن،
مُهدِّدين مُندِّدين مُلوِّحين:
بالعظيم من المآتي،
والهائل من الأَواتي،
والمرْعِب من العواتي،
حتى يتحقّق لهم ما به يُطالبون،
غير آبهين إن كان ما به يُطالبون: قانونياً أو شرعياً أو منطقياً،
فالقوانينُ يَلْوُونها،
والشرعيةُ يَتحفّزون لها،
والمنطقُ يَجدون لديهم من “يُمَنْطِقُهُ” وفْق مصالحهم،
وما همَّ إن كانت هذه المصالح تَخدُم الوطن أو المواطنين أو القضية الوطنية،
المهمُّ أن تنفِّذ لهم مآربَ، وبُلوغاً إلى حيثما يرغبون، أو مطلوبٌ منهم أن يرغبوا.
هكذا،
من يوم الصناديق للصَّدَقَات والزَّكاة (Boxing Day) كما هو مأْلوفٌ في العالم غداةَ عيد الميلاد،
يتحوَّل لبنانُ غداةَ رأس السنة الى أيام بوكس (Boxing Days) بالمعنى الرياضيّ، بل بالمعنى السياسيّ.
ومن جولات الأخيار على المحتاجين في العيد حاملين إليهم صدَقاتِ الصناديق،
يتحوّل لبنان إلى جولات الأخبار عن ملاكمةٍ بين الأفرقاء السياسيين:
تصاريحَ وتخريجاتٍ وتحليلاتٍ وتفسيراتٍ وتنظيراتٍ
وتركيبَ قوانين على القياس
ومراسيمَ على القياس
وجداولَ أعمالٍ على القياس،
حتى يَلوُوا ذراعَ الفريق الآخَر فَيَعِدُوهُ بالأمان إذا الْتَوَتْ ذراعُه.
وما بين Boxing Day الصدَقات الإنسانية،
وBoxing Day الحلَبات الْمُلاكَماتية،
ينطلق العام الجديد في لبنان مفتوحاً على الخيارات جميعاً.
لكنّ خياراً واحداً لا إلاه سيبقى:
الإيمانُ بأنّ الفَرْد والحقيقةَ يظلاّن أكثرية،
والملايينَ مع الباطل يَظَلُّون أقلية، مهما طال الصراع، واستطالت الملاكمة، واتَّسعت مساحة الحَلَبَة.
وكلّ عامٍ… وأنتم أبناءُ الحقيقة !