هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

970: يومُ الصناديق

الحلقة 970: يومُ الصناديق
الأربعاء 29 كانون الأول 2010

هذا الأُسبوع أيضاً، لا نـزالُ في زمن الميلاد.
فالميلادُ ليس فقط سهرةً ميلاديةً عائليةً حول شجَرةٍ مزيَّنةٍ وهدايا،
أو هَيصةً في مطعمٍ أو مَرْبَعِ رَقْص،
بل هو زمنُ انكفــاءٍ
• على الذاتِ لاسترجاع عُمْق النفْس البشرية المعطاء،
• وعلى السِّوى من إخوةٍ في البشرية يُزامِلوننا في هذا العمر.
بين تقاليد الميلاد،
عدا هدايا پاپا نويل والتَهادي وتبادل التهاني،
تقليدٌ إنسانيٌّ عميق الدلالة،
تعرفه كندا وأُستراليا والنمسا ونيوزيلندا وبريطانيا وبعض دول الكومِنْوِلْثْ وجنوبي أفريقيا.
هذا التقليد يسمَّى “يوم الصناديق” (Boxing Day)،
وهو في بعض الدُّوَل عطلةٌ رسمية غداةَ الميلاد (في 26 كانون الأول).
وحتى سوق البورصة في لندن تتوقّف في هذا النهار.
*) أصلُ التقليد أنّ كنائسَ في القرن التاسع عشر كانت تَضعُ على أبوابها صناديقَ للمؤمنين، الداخلين إليها أو الخارجين منها، يَضعُون فيها هدايا للفقراء والمحتاجين والمحرومين مِمَّن يزورُهم ويُهديهم.
*) وفي تفسيراتٍ أخرى من القرون الوسطى أنها كانت صناديق يعطيها الموسِرون لِخَدَمِهم هدايا أو أطعمةً باقيةً من ليلة الميلاد يأخذها الخدَم لأُسَرِهم غَداة نهار العيد.
*) وفي تنظيرٍ آخَ أن المحالّ غداة الميلاد يَبيعون بأسعارٍ مُخفَضةٍ مَخزونَ بضائعَ فائضاً عن مبيعات ما قبل الميلاد، وقد يستمرُّ هذا التخفيض أُسبوعاً كاملاً بعد الميلاد.
ومهما يكُنْ أصلُ التسمية، قديماً أو وسيطاً،
يبقى مدلولُها حديثاً وعصرياً،
لأنه يطال الإنسانَ المحتاج في كلّ زمان ومكان،
كي يشعرَ المحــرومُ أنّ العيدَ ليس لسواه فقط،
والفرحةَ ليست من الْمُستحيلات عليه،
وأَطايِبَ العيد ليس مُحرَّمةً عليه وعلى أطفاله.
وهنا معنى العيد الحقيقيُّ في جوهر الاحتفال به والاحتفاءِ بتقاليده.
هنا معنى كلامِ المسيح: “كلُّ من أَحسَنَ إلى إخوتي الصغار هؤلاء، فإنما إلَيَّ قد أَحسَن”.
وهنا معنى كلام يوحنا الإنجيلي: “من أَمسكَ أحشاءَه عن الفقراء، فقد أمسكها عن الله، ومن قال إنه يحبُّ الله الذي لا يراه، وهو لا يحب أخاه الإنسانَ الذي يراه، فهو كاذب”.
وهنا معنى كلام فقيهِ العصر وإمامِ التفسير عبدِالله بن عباس أنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ”.
وهكذا:
بين صُنْدوق الميلاد وَصَدَقَة رمضان وزَكَاةِ الفطْر،
تبقى رمزيّةُ العيد:
لا ما نَتَهَاداهُ ولا من نُعَيِّدُهم ويُعَيِّدون،
بل ما نُسْديــه إلى إخوةٍ لنا في الإنسانية حَرَمَتْهُمُ الحياةُ نعمةَ العيد،
وحَرَمَت قلوبَ أطفالهم لَمسةَ فرحٍ يَمنحُهُم إياها قلبٌ حَدَّهُم معطاء.
هي ذي فرحةُ العيد الحقيقيةُ:
أن يظلَّ التَواصُلُ بين القلب والقلب،
لا يُـباعِــدُ بين قلبَين وَضْعٌ صعبٌ،
ولا قَدَرٌ قاسٍ،
ولا تفصلُ بينهما مسافاتٌ،
مهما تناءَتَ،
يظلُّ يَبلُغُها القلبُ الحَنونُ ولو من خَلْفِ… شَسَاعة البحار.