هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

964: بُكاء الناس وتباكي السُّــيّاس

الحلقة 964: بُكاء الناس وتَباكي السُّيَّاس
الأربعاء 8 كانون الأول 2010

المشهدُ نفسُه، الحالةُ نفسُها، الوضْعُ نفسُه، المأساةُ نفسُها.
تَقَعُ الكارثة، يتصاعدُ بكاءُ الناس، يَهرعُ المسؤولون، يُزايِدون في البُكاء والتباكي.
وما الذي يعودُ ينفَع، حين تقعُ الكارثة، بكاءُ الناس وتَباكي السُّـيَّاس؟
نَفتح القاموس، نقرأ: “ساسَ القومَ: دبَّرَهُم وتَوَلّى أمرَهم”. و”السياسةُ هي استصلاح الخَلْق بإرشادهم الى الطريق الْمُنَجّي في العاجل أو الآجل. وهي فنُّ الحُكْم وإدارةُ أعمال الدولة. وهي تَدبيرُ المعاش مع العُموم على سُنَن العدل والاستقامة”.
نكتفي بهذا القَدْر من تَحديد القاموس، وننزل الى الشارع.
أين السُّـيّاسُ عندنا من هذا التحديد العلمي؟
ينهمرُ المطر غزيراً، يَبكي الناس من طوفانات الطرقات، فيتباكى السُّـيّاسُ على العجْز في مَرافق الدولة ويُلقُون التهمة على مَن كان قبلَهم في المسؤولية.
يَستمرُّ انقطاعُ الكهرباء، فيَبكي الناسُ من دفع الفاتورتين: لِـجابي الدولة ولِـغُول المولِّد، ويتباكى السُّـيّاسُ على التقصير في المعالجة منذ سنواتٍ وعقود.
تندلع الحرائق في كل جسْم البلاد، فَيَبكي الناسُ لبنانَ الأخضر وتَفَحُّمَ الأحراج، ويتَّضحُ أنْ ليس عندنا من وسائل الإطفاء والمعالجة ما يُطفئُ الحرائق التي تَقضُم لبنانَ شبراً بعد شبر.
ولن أُكمل…
اللائحةُ طويلةٌ، وبكاءُ الناس على أملاكهم وأرزاقهم ومُستقبل أولادهم أكبرُ من أن تستوعبَهُ الكلمات.
مع ذلك يَجدُ السُّـيّاسُ تَباكياً يقدِّمونه اعتذاراً للناس وإلقاءَ تُهَمٍ على مَن سَبَقَهم في المسؤولية.
السياسيُّ المسؤول ليس مَن يتباكى ويُلقي المسؤوليةَ على أسلافه، بل مَن يُشيحُ عن تقصير أسلافه فيستدركُ ما يَحصَل قبل أن يَحصَل.
السياسيُّ ليس من يَرى وينفعِل، بل من يستشفُّ مُسْبَقاً فيفعَل، قبل أن يقع ما سوف يقع.
لا نلومُ اليومَ أحداً من المسؤولين الحاليين الذين ورِثوا إداراتٍ ومديرياتٍ ودوائرَ مهترئةً مشلولةً عاجزة.
لكننا نلومُهم إن لم يُهيِّئوا، منذ اليوم، ما لن يكون عذراً لأخلافهم من بعدهم، فيستدركون ويُخطِّطون ويُصَمِّمون ما ينفِّذون منه قسْماً على عهدهم ويأتي بعدهم مَن يُكمله فلا تقعُ الكارثة.
أما أن نظلَّ هكذا: تقع الكارثة، يَبكي الناس ويَتَباكى السُّـيّاسُ، فحالةٌ يائسةٌ ميؤُوسة مُيَئِّسَة، هي التي تُبرّر رؤيتَنا صباحَ كلِّ يومٍ صَفّاً طويلاً على أبواب السفارات، ومواطنين على بوّابة المطار يَصْعدون سُلَّم الطائرة، غير مْلتَفِتِين الى الوراء ولا حتى لتلوِيحة وَداع.