هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

950: ليس بالصوت وحده تحيا الأغنية

الحلقة 950: لَيس بالصوت وحده تحيا الأغنية
الأربعاء 20 تشرين الأول 2010

صحيح أنّ الأغنية، في الأساس، صوتٌ يؤديها. ولولا هذا الصوتُ المؤدي لبقيَت القصيدةُ بين أوراق شاعرها، وبقي اللحنُ نغمةً في بال ملحّنه.
غير أنّ الصوتَ وحده، وهو الأساس، ليس العنصرَ الوحيدَ الذي يقوم عليه معيارُ الأغنية. فالمؤدّي ليس بوقاً ذا عضلات صوتية وحسب، بل ثمة عناصرُ أخرى مجاورةٌ ورديفةٌ تساعد على بلوغ الأغنية متلقّيها في مناخ سائغٍ يجعلها أقربَ الى القبول.
وأخذ هذا الأمر يتّسع منذ لم تَعُد الأغنيةُ سمعيةً من الإذاعة أو من الأسطوانة وحسب، أي منذ بات المسرحُ ناقلَها المباشَر، ثم التلڤزيون ناقلَها الأكبر، حين باتت الأُغنيةُ مرئيةً ترادفُ رؤيةُ مغنّيها سماعَ صوته، وهنا ازدياد العناصر.
من هذه العناصر: الأداء في إحساس. فهو ملازمٌ نبراتِ الصوت، ومعبِّر عنها، ومترجِمٌ أحاسيسَها. وبين تنويعة وأُخرى في الصوت، تتفتّح الكلماتُ على النغَم لتبلُغَ أعمقَ شعور المتلقّي. فليس من المقبول أن تغني المغنية كلمات اللواعج والأسى فيما هي تبتسم وتضحك وتتراقص على المسرح، وليس من المنطقي أن تغني كلماتِ الفرح واللقاء والسعادة فيما هي واجمة كأنها في جنّاز.
ومن العناصر كذلك بساطةُ الكلمات. فليس ضرورياً، في حالة الأغنية، أن تكونَ كلماتُها مُعقّدةً متلولبةً في انعطافاتٍ ذهنيةٍ تتطلّب من المتلقّي تفكيراً يعيقه عن مواصلة السماع. وليس ضرورياً أن تحتمل الأغنية كمياتٍ عاليةً من الشعر كتلك التي يشحن بها الشاعر قصيدته المقروءة. فالكلامُ اليومي البسيط في الأغنية يجعلها أقربَ الى الاستساغة والتَلَقّي والحفْظ. غير أن ذلك خطِرٌ من ناحية أخرى، حين تنقلبُ الكلمات اليومية الى استخدامات تُفْسد على سياق النص جمال التركيب.
هكذا: بين الصوت الأساس والتعبير عنه في الأغنية بإحساسٍ تنويعيّ في الأَداء، وكلماتٍ بسيطةٍ محبوكةٍ في سياقٍ محبوك، وعلاقة هنيّة بين المغني وجمهوره فلا يوقِفُ بينه وبين جمهوره حاجزاً يجعله بعيداً عن المشاهدين لا يتفاعل معهم إلاّ عند التصفيق، تصبح الأغنية لَمسةَ وُدٍّ بين جمهورٍ جاء يُصغي ويَستمتع، ومغنٍّ قريب من الناس يخاطبهم، يمازحهم، يتفاعل معهم من دون عُقَدِ العظَمة ومن دون اصطناع المجد والنجاح اللذَين بدون جمهوره لا بلوغ له إليهما.
كلّ هذا لا يشمل الـ”لوك” الذي يصرّ عليه اليوم عددٌ من المغنيات خصوصاً، فيروح المشاهدون يُصغون الى ملابس المغنية وتسريحة شعرها وبعض مفاتنها المقصودة، وبالبقية الباقية من انتباههم يتفرّجون على صوتها الذي قد لا تكون فيه ذَرّة واحدة من مواصفات الصوت.
وهكذا: بصوتٍ جميل، وملابسَ بسيطة، وكلماتٍ بسيطة، ولحنٍ سَلِس، وأداءٍ معبِّر، تنجح المغنّية في بلوغ قلوب الناس.
أما الـ”لوك” فلا يُشكّل نجاحاً إلاّ على أغلفة المجلات الفنية التي تسعى الى إبراز ما لدى المغنّية من مواهبَ شتى ليس الصوت واحدة منها.