هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

949: جوع المليار وتجويع المليون

الحلقة 949: جوع المليار وتجويع المليون
الأحد 17 تشرين الأول 2010

“يومُ الغذاء العالَمي” ]تُعِدُّهُ منظمة الأغذية والزراعة (“الفاو”) في 16 تشرين الأول كل عام[ صادف أمس السبت.
وكان لافتاً هذا العام بشعاره “معاً لِمُكافحة الجوع” وبالعريضة التي أطلقتها “الفاو” عبر الإنترنت طوال سنة كاملة ووقّع عليها حتى مساء أمس السبت مليون و114 ألف من جميع أقطار العالم، استجابةً للنداء الذي جاء فيه: “نحنُ، مُوَقّعي هذه العريضة، نؤكّد أنْ لم يعُد مقبولاً وُجودُ نحو مليار إنسان يُعانون من الجوع المزمن. وعبر منظّمة الأُمم المتحدة، نُناشد الحكومات أن تضع في رأس أولوياتها برنامجاً للقضاء على الجوع، وأن تعملَ لهذا الهدف حتى تَحقيقه”.
وفي مقدّمة العريضة عبارة: “إضغطوا على السياسيين كي يُنهوا حالاتِ الجوع. وقِّعوا على هذه العريضة، وابدأُوا الضغط على حكوماتكم أينما كنتم في العالم”.
“معاً لِمكافحة الجوع” هو الشعار الثلاثون في سلسلة شعارات “الفاو” منذ تأسيسِها سنة 1945. وهو يحمل هذا العام صرخة “أنا غاضب جداً لأن مليار إنسان في العالم جائعون”. والمنظمة دعت، كما بهلعٍ وصرخةِ إنقاذ، الى الترويج للعريضة عبر الـ”فايْسْبُوكْ” والـ”تْوِيْتِرْ” والـ”يُوتْيُوبْ” وسواها من الوسائط الإلكترونية، ما يدل على جِدِّيَّة هذا الخطر الذي يهدّد العالم.
وكان ذا مغزىً كبيرٍ منحُ منظمة “الفاو” جائزتها السنوية هذا العام لرئيس منظمة “الخبز للعالم” ديڤيد بِكْمَان تقديراً لإنجازاته في حقل الغذاء والزراعة، ولأنشطته في دعوة الحكومات أن تضاعف جهودَها بتخفيض حالات الجوع، ومساعدة المزارعين، وتخفيض نسبة سوء التغذية لدى الأمهات والأطفال، وزيادة المساعدات الأجنبية، ومعالجة ارتفاع الأسعار، ومواجهة التغيُّرات المناخية، وشَحّ المواد الطبيعية، وتدابير أخرى على الحكومات أن تضعَها فتضعَ شؤون الناس في رأْس أولوياتها.
هذه الظاهرة التي تطال مليار جائع، أي سدْسَ سكان الكرة الأرضية، تنشُب صرختُها في العالم ويهتز لها العالم ليضعها في أولويات حكوماته. فهل هي عندنا أولويّة؟ وما هي أولويات حكوماتنا منذ سنواتٍ حتى اليوم غير حلّ مشاكل المعارضة والموالاة؟
لن أُعدّدها تلك الأولويات عندنا، كي لا أنكأَ جراح مواطنينا، خصوصاً منهم مَن يُعانون من الجوع، أو مَن حُلْمُهُم أن “يرتفعوا” حتى خطّ الفقر، وليس من يبادر سوى منظماتٍ من المجتمع الأهليّ المدني، فيما المسؤولون، مثل مرتا، مهتمُّون بأمور سياسيّة واصطفافيّة ومصلحيّة وأنانيّة وفئويّة، ويُثيرون خلفهم الشعب صفوفاً مقابل صفوف. فلا الوضعُ الاجتماعي في الأولويّات، ولا الوضعُ الصحيّ في الأولويّات، ولا الوضعُ المعيشيّ في الأولويّات، وليس في الأولويّات سوى وَضْعٍ سياسيٍّ متوتّرٍ مضطربٍ مُخيفٍ يُرعب الناسَ لا من الجوع بل من التجويع.
هناك، في العالم، مليار يُعانون من خَوف الجوع، وعندنا نحو مليون يعانُون من خوف التجويع، ولا يَرون أمامهم سوى تَجاذُباتٍ عن شهودِ زور، وزورِ شهادات، وتزويرِ حقائق، وتحقيقِ تزاوير، وجميعُها لا تُشْبِع جائعاً، ولا تأْتي برغيفِ خبزٍ الى عائلةٍ نامَت ليلةَ أمس السبت بدون… عَضَّة رغيف.