هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

946: أحكام جزيرة الأرانب

الحلقة 946: أَحكامُ جزيرة الأَرانب
الأربعاء 6 تشرين الأول 2010

ليس جديداً ولا غريباً في العالَم خَبَرُ أنّ مَحكمةَ أوكلَند الجزائية (شمال جزيرة نيوزيلندا) غرَّمَت رجُلاً 500 دولار لِحَمْلهِ أرنباً من أُذنيه وأرْجَحَتِه في الهواء أمام المارّة في شارع مزدحم. وأمام ادّعاء المتَّهم بأنه فعل ذلك ليُسَلّي المارّة، أصدر القاضي حكْمه بتهمة أنّ المواطن “عذَّب الأرنب وسبّب له ألَماً غيرَ ضروريّ”.
عندنا أيضاً ليس جديداً هذا الخَبَر، لكنه ذو إسقاط بَليغٍ على ما يَجري هنا. وإذا كانت ناشطةً في العالَم “جمعيةُ الرِّفْق بالحيوان” وتَحمي حقوقه، فأَنّى عندنا من يَحمي “مصيرَ” الإنسان، لا حقوقَه بل حياتَه اليوميّة ومعيشتَه ومستقبلَ أولاده.
وإذا كان الحُكْمُ صدرَ على من يُعَذِّب أرنباً من أُذنيه، فكيف بِمَن يُمسِك شعباً كاملاً من أذنيه ويُعذّبه؟ وكيف بِمَن يَجعل شعباً كاملاً معزولاً عن العالَم، ويَحشُرُه في جزيرة أَرانب بعيدةٍ يكاد العالم ينفضُ يديه منها لِكثرة مشاكلها وتناطُح سياسييها وتناهُشِهم متسَابقين على التشاتُم والاتّهامات بأدنى وأحطّ قواميس السَّب والكلام الرخيص؟
أيُّ حكْمٍ يُحاكِم من يُعذّب شعباً كاملاً منذ ثلث قرنٍ كاملٍ ما زال بلا كهرباءَ كاملة، ولا مياهٍ كاملة، ولا طرقاتٍ كاملة، ولا ضبطِ سيرٍ كامل، ولا بنيةٍ تحتية كاملة؟
أيُّ حكْم يُحاكِم مسؤولين ليسوا مسؤولين حين يُخوّفون شعباً كاملاً بفتنةٍ مذهبية مرةً، وحربٍ أهلية مرةً، وفَلَتان أمني مرة، وإهراقِ الدم مرة، وأَحداثِ شغَبٍ ونُزولٍ الى الشارع مرّات ومرّات، وتَهويلٍ بـ”هكذا نريد وإلا…”، و”هكذا فلْيَكُن، وإلاّ…”، وتَهديدٍ وَوَعيد، ورفْع أصابعَ في الهواء، ورفْع أصواتٍ في الهواء، ورفْع نَبَرات في الهواء، والشعب يَرتَجِفُ كالأرنبِ خوفاً من الأعظم، والمسؤولون يُمسكونه بأُذنيه أرنباً خائفاً مِمّا هو أَعظم !
مَحكمة مَحليّة عادية غرّمت مواطناً “عَذَّب أرنباً من أذنيه أمام الناس وسبّب له ألَماً غير ضروري”، وعندنا مسؤولون قاعدون على كراسيهم منذ عصور، يُمسِكون بأُذنَي الشعبِ كالأرنب ويُعذِّبونه على مرأى من دُوَل العالَم، ويُسَبّبون له أَلَماً غيرَ ضروريّ، وليس من يَسأل وليس من يُحاسب.
ولكنّ الأرنب لن يظلّ أرنباً ضعيفاً خائفاً مَمسوكاً من أُذنيه، فلا بُدّ أن ينتفضَ في ساعة الصّفْر من أَرنبٍ الى نَمِر، أو يلجأَ الى مَحكمةٍ غير عاديّة، تُحاسب الممْسِكين بأُذُنَي الأرنب وتوْدِي بهم الى حيثما يُصبحون هم فئراناً وراء قضبان الضمائر التي استخدموها شهودَ زُورٍ ليُعذِّبوا شعبَهم ويَسُوسُوه بأحكام… جزيرة الأرانب.
ومن له أُذُنَان غيرُ أَرْنَبِيَّتَين ضعيفَتَين، فلينتفِضْ