هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

945: لهم المهاتير ولنا التعتير

الحلقة 945: لَهُم المهاتير ولنا التعتير
الأحد 3 أيلول 2010

بلادُهم 320 ألف كلم مربّع، أي أكبر من بلادنا بـ304 مرات. عدد سكانهم 27 مليون نسمة، أي أكثر من سكاننا بنحو 7 مرات. عاصمتُهم مساحتها 243 كلم مربّع، أي أكبر من عاصمتنا بنحو 12 مرة.
قبل ثلاثين عاماً كانوا على الحضيض، اليوم صاروا في صدارة دول العالم اقتصاداً وإنتاجاً وتصديراً.
هم، شعب ماليزيا. ونحن شعب لبنان.
لماذا هُم صاروا “هُم” الى هذا الحدّ ؟ لأنهم سنة 1981 جاءهم مُنقذٌ اسمه مهاتير محمد، طبيبٌ جرّاح بدأ حياته فقيراً يُطبّب الفقراء، وحين تسلّم الحكم أَضمَر أن يُطبّب الدولة والشعب والوطن، فوضع من أول الطريق “خارطة طريق” عنوانها “2020” أي كيف يرى بلاده سنة 2020، وأخذ يعمل على تحقيق هذا الهدف. رسم خطّة مستقبلية للأولويات والأهداف والنتائج. قرّر أنَّ التعليم والبحث العلمي أولويةٌ أُولى للدولة فخصَّص أكبر حصة من ميزانية الدولة للتعليم وتدريب الحرفيين والتربية ومَحو الأُمية وأرسل عشرات الآلاف في بعثاتٍ دراسية الى أفضل الجامعات الأجنبية. خفّض حتى الحدّ الممكن ميزانية الجيش (طالما أنّ بلاده ليست في حالة حرب ولا مهدّدة بها). ألغى ميزانيات القصور ودواوين الحكومة والتهاني والتعازي والمجاملات والهدايا “لأن ما يحتاجه الشعب أهمُّ من الإسراف والتبذير وفخفخة السياسيين”. أطْلَع شعبه على نظام الثواب والعقاب ونفّذه في دقّة وحزم. أعلن عن نهضة شاملة في جميع القطاعات. شجّع الزراعة وأَمَرَ بغرْس مليون شتلة نخيل فانتعش الاقتصاد وأصبحت ماليزيا بعد فترةٍ أولَ دولة في العالم لتصدير زيت النخيل. حوَّل المعسكرات اليابانية القديمة في البلاد الى مناطق سياحية جاذبة لجميع أنواع الترفيه والتسلية والرفاه فأصبحت ماليزيا أهمّ مركز عالمي للسباقات الدولية في السيارات والخيول والألعاب المائية والعلاج الطبيعي. شجَّع الصناعة وسهّل استثماراتها فأصبحت ماليزيا في طليعة الدول المنتجةِ الأجهزةَ الكهربائية والحاسبات الإلكترونية. شجَّع الاستثمارات فأصبح في ماليزيا أعلى بُرجَين توأَمَين في العالم يَضُمّان 65 مركزاً تجارياً، وبلغ التعامل في بورصة ماليزيا 2000 مليون دولار يومياً. أنشأ أكبر جامعة إسلامية أصبحت اليوم بين أهم 500 جامعة في العالم، … وسواها وسواها من المشاريع الكبرى التي رفعت ماليزيا الى ما هي عليها اليوم.
وبعد 21 سنة في الحُكْم غادر مقعده سنة 2003 رغم إصرار الشعب والدولة على بقائه. لم يتمسَّك بالكرسي، ولم يُوَرِّثْ أحداً من أبنائه أو أُسرته. حقّق حلمَه بصُنْع دولةٍ عصرية، وتركَ الحُكْم لتَدَاوُل السلْطة.
هناك: رجلُ دولةٍ رفع بلاده، في عشرين سنة، من ثَرى الفقْر الى ثراء أَعلى بُرْجَين توأَمَين في العالم.
وهنا رجالُ سياسةٍ ما زالوا في الحُكْم منذ أكثر من عشرين سنة، ولم يفعلوا شيئاً للدولة بل استغَلُّوها لمصالحهم وقاعدتهم الشعبية والمذهبية والحزبية.
هناك: كان عندهم المهاتير. وهنا: ما زال عندنا التعتير.
ومَن له في شَعْبنا أُذُنَان مُبْصِرَتان، فليَخرُجْ من القطيع.