هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

936: دوائر دوائر… أين الحصاة؟

الحلقة 936: دوائر دوائر… أين الحصاة؟
الأربعاء أول أيلول 2010

في لُعَب الأولاد المحبَّبَة على شاطئ البحر أو النهر أو البحيرة، أن يرمي الولد حصاةً بشكل مائلٍ منحرفٍ على وجه الغَمْر، فتروح الحصاة تقفز مراتٍ متتاليةً، نَطاطةً زلاَّجةً على سطح الماء، مُحْدِثَةً وراءها دوائرَ دوائر، تزيد أو تنقص وَفْقَ زَخْم ارتطام الحصاةِ مرميَّةً من يد الولد.
هذه الخبطات من الحصاة، ذاتُ امتداداتٍ تولِّد ما تسمى “التردُّدات” على سطح المياه. ويتنافس الأولاد على مَن هو الأكثرُ مَهارةً من الآخَرين في رمي الحصاة بشكلٍ يُحدثُ دوائرَ أكثر، إذاً: امتداداتٍ أكثر، إذاً: تَرَدُّداتٍ أكثر.
ومن زخْم الحصاة على صفحة المياه، الى زخم الحجارة على صفحات الحياة السياسيّة والأمنيّة في لبنان.
حادثةٌ تبدأ صغيرة (أو “ظاهرُها” يبدو صغيراً) فتُحدِثُ امتداداتٍ تولِّد تَرَدُّداتٍ تَروحُ تَكثر وتَكبر وتَزيد الى حادِثٍ جَلَل فإلى حَدَثٍ تتشظَّى منه تَرَدُّداتٌ مأْساويةٌ عنيفةٌ تُفلِتُ من يد الذي كان يرمي الحجْرة أو الحصاة، فتُفْسدُ الحياةَ اليوميةَ في الموقع أو المدينة، وتنشغلُ السلطاتُ بها معالَجَةً ومُدارَاةً وتَدَارُكاً واستدراكاً واسْتِباقاً واسْتِلْحاقاً ولِجاناً وتداعياتٍ واجْتماعاتٍ وبياناتٍ وخُطَباً ومتاريسَ كلاميةً ومتاريسَ مُضادَّة وتفسيراتٍ وتأويلاتٍ وتصاريحَ ورُدوداً على التصاريح، حتى تتشظّى دوائرُ الحصاة على الأرض قذائفَ من كلِّ نوعٍ كلاميٍّ وسِلاحِيٍّ واصطفافيّ.
غير أن المعالجات جميعاً تُرَكِّز على الدوائر الحاصلة، لا على الحصاةِ التي سَبَّبَت الدوائر. التَّرَدُّداتُ نتيجة. الحصاةُ فِعل. فما نفْعُ معالَجةِ النتيجة إن يبقى الفعلُ متروكاً لردّاتٍ وارتدادات وإعاداتٍ وتداعياتٍ واستعاداتٍ واعتدادات؟
المطلوبُ: معالجةُ الفِعل لا رَدَّةِ الفعل. المطلوبُ: معالجةُ السبَب لا النتيجة. النتيجةُ تَنْتَفي حُكْماً حين يَنْتَفي السَّبَب، وَ… رَدَّةُ الفِعل تَمَّحي حُكْماً حين يَنْتَفي الفِعل.
والحاصلُ عندنا، لدى كلّ حدَثٍ أو حادثةٍ أو حادِث، أن يهرَع المعنيُّون الى معالَجة التَّردُّدات دون التَّنَبُّه الى الحصاة، يعني الى معالَجة ما سَبَّبَتْهُ يَدُ الولَد على صَفحة المياه لا يدِ الولد التي رَمَتِ الحصاة وسَبَّبَت الدوائرَ والتَّرَدُّدات.
وبيروت التي يدور الحديثُ حولَها اليوم أن تكونَ منزوعةً من السلاح، أو من بعض السلاح، أو منظَّمَةَ استعمال السلاح، أَو مُبَرَّرَةَ استخدام السلاح، سوف تظلُّ تَحت رحمةِ الدوائر التي تُسَبِّبُها الحصاة على صفحة مياهها، إن لم تَتَّجِه المعالجةُ مباشرَةً الى اليدِ المرَشَّحَةِ أن تَرمي تلك الحصاة.