هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

935: حَبَسَ يحبسُ انحباساً واحتباساً… وبينهما لبنان

الحلقة 935: حَبَسَ يحبِسُ انحباساً واحتباساً… وبينهما لبنان
الأحد 29 آب 2010

بين الحبْس والانحباس والاحتباس، يقف العالم بين الخُضرة واليباس، وكذلك لبنان.
بين النَفَس المقطُوع والأنفاس القَلِقَة والنفوس الضائعة، يقف العالم بين الانصياع والضياع، وكذلك لبنان.
بين اضطراب السياسة واضطراب الطبيعة، يقفُ العالم مُرتَجّاً بينهما، وكذلك لبنان.
بين نجاح أو فشل المفاوضات المباشرة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين وَفق المبادرة الأميركية للسلام، يعتري العالَمَ حبْسُ الأنفاس في أروقة المنابر الدولية، وكذلك يعتري لبنانَ، المعنيَّ مباشرةً بحل عادل ونهائيّ للقضية الفلسطينية.
بين الاحتباس الحراري الذي أصاب موسكو بالحرائق، والانغماس الحراري الذي أصاب پاكستان بالفَيَضانات، أصيب لبنان بموجة شمسٍ حارقةٍ ضاربةٍ في النار زاد من لهيبها انحباسُ التيّار الكهربائي، واحتباسُ المولّدات الكهربائية، وانحباسُ الناس في الحر، وحبْسُهم في فراغٍ من الخلاص زاده فراغُ المسؤولين عن إيجاد الحلول.
هكذا دائماً لبنان: في قلب النار أو في قلب الأضرار. فهو، على صورة العالم، معنيٌّ بحبْس الأنفاس كلما توتَّر الوضع الإقليميّ، ومعنيٌّ بالانحباس في الانتظار الطويل كلما تناول قضاياه المجتمعُ الدولي ومنبرُ الأمم المتحدة والمؤسساتُ الدولية العليا، ومعنيٌّ بالاحتباس في حرارة الطبيعة حين يلفُّ وهجُ النار منطقة الشرق الأوسط.
كأنما قدَرُه، هذا البلد الصغير الدولة والكبير الوطن، أن يظلّ في عين العاصفة، وفي قلْب الإعصار، وفي زنزانة حبْس الانتظار، وفي توتُّر الانحباس من غدْر البيلاطُسيين واليوضاسيين، وفي قلق الاحتباس الحراري والسياسي والاجتماعي، داخليِّه غير المحصَّن كلِّه وطنياً في مستوى واحد، وخارجيِّه غير المضمون عربياً بتحالفات على مستوى واحد، والمحبوس إقليمياً بتراشقاتٍ سياسية تَمُرُّ فوق أرضه من بلدٍ الى آخَر، وأحياناً تَحُطُّ على أرضه مستخدِمةً أرضَه حقلَ تجارب، أو جَسَّ نبْض، أو ساحةَ اقتتال.
غريبٌ قدَرُهُ، هذا اللبنانُ الأُعجوبي: يتخاصَم الأبعدون فإذا به معنيّ، يتلاطَم الإقليميُّون فإذا به معنيّ، يتحاكم الأقربُون فإذا به معنيّ، تتفاقم الطبيعة في العالم فإذا به معنيّ، وحين تتزاحم الأوضاع داخلَه نادراً ما يهرع إليه من يُفتَرض أنه معنيّ.
غريبٌ قَدَرُهُ، هذا اللبنانُ الأُعجوبي.
ربما لهذا كان ولا يزال – وسوف يبقى – سؤالاً كبيراً على خاصرة الشرق، وفي ذاكرة العالم.
أُعجوبيَّتُه أنه سؤالٌ، جوابُه في سريرة المخْلصين من أبنائه، هؤلاء الذين أجدادُهم عمَّروا حفافي بساتينه، وآباؤهم عمَّروا جدران بنيانه، وهم يعمِّرون صلابةَ أرضه كي يقفَ عليها أبناؤُهم غداً وينزرعوا فيها أرزاً: عميقاً في تراب لبنان، وعالياً في فضائه الذي يدلَهمُّ فيه الغيم الأسود لكنه لا يحجب شمساً تَظلُّ تُشرق فوق تلاله المزروعة أرزاً شاهداً على انغراز أبناء لبنان في قلبه الكبير.