هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

934: فواتير كهرباء أم فواتير سياسية؟

الحلقة 934: فواتير كهرَباء أم فواتير سياسية؟
الأربعاء 25 آب 2010

مَشاهدُ المواطنين الذين، في بيروت والمناطق، قطَعوا الطرقاتِ احتجاجاً على قطع التيار الكهرَبائي عنهم، طغَت في الإعلام على مشاهدَ أُخرى في مناطقَ أخرى لِمواطنين نزَلوا الى الشارع لا ليقطعوا الطريق بل ليتقاطعُوا في حلقات ويروحوا يرقصون ويدبكون “ابتهاجاً” بعودة التيار الكهرَبائي إلى بيوتهم بعد انقطاعه عنهم ثماني عشْرة ساعةً متواصلة تَلِفَتْ خلالها مأكولاتُهم في البرادات وانْحرموا من المياه الباردة التي تُثْلِجُ حَلْقَهم في قيظ هذا الصيف الحارق.
هذه الحلقات الابتهاجية تذكِّرنا بطقوسٍ قديمةٍ في العصور الغابرة، العصور السحيقة، العصور البدائية الأُولى، حين كان الناس يرقصون ابتهاجاً بنُزول المطر بعد انْحباسه الطويل، أو فرَحاً بنُضج مواسمهم على البيادر بعد انتظارهم إياها شهوراً طويلةً من القلق والخوف على مصيرها من التلَف أو اليباس.
أَإِلى هذه الدرجة بلغ تَرَاجُعُ المواطن اللبناني الى الوراء… الى العصور البدائية، حتى صارت عودةُ التيار الكهرَبائي مصدرَ فرحٍ له، وحتى بات يرقص ابتهاجاً به في الساحات والشوارع؟
أَإِلى هذا الحدّ بلغ القَحط في رؤوس المسؤولين، حتى ليعجَزوا عن إيجاد حلٍّ للكهرَباء وَجَدَه سواهم في الدول النامية وحتى في الدول التي في طريق النمو؟ وماذا عن وُعُودهم الفارغة عهداً بعد عهد، وولايةً بعد ولاية، وحكومةً بعد حكومة؟ وأين مُخطَّطات الإصلاح الكهرَبائي يبدأ تنفيذُها تباعاً فلا تبقى الكهرَباء تحت رحمة فتْح اعتمادٍ هنا، وإقرارِ ميزانية هناك، وحجْزِ موازنة هنالك؟
سنواتٌ تَمرُّ مطّاطةً بعد سنوات، والمواطنُ اللبناني ينتظر، يأتيه وعدٌ من هنا، وأملٌ من هناك، وانتظارٌ من هنالك، وهو يتدبَّر أمره، مرةً بِمُولِّد صغيرٍ في بيته، ومرةً بِمُولِّد في الحي، وقد يتوقَّف المولِّد فيتوقَّف في البيت كلُّ أملٍ في نسمةٍ باردة أو نقطةِ مياهٍ باردة أو فاكهةٍ باردة في برادٍ بارد.
ومهما يكن الدافع الى ما شهدناه في الشوارع – وقد نشهَدُه بعد – من احتجاجاتٍ بقطع طرقاتٍ على قطع التيار الكهرَبائي، لا يبرِّرُ اتهامَ المسؤولِ المواطنين بعدَمِ دفع الفواتير، فالمواطنُ الذي يدفعه اليأس الى ابتكار مُخالفات أو احتجاجات، لا ينتظر أن يكونَ هو المسؤولَ عن شَحّ الكهرَباء حين المسؤولُ هو المسؤولُ عن الشَّحّ في التفكير والتدَبُّر وابتكار طرقٍ لا تجعل الكهرَباء في لبنان جُلجُلةَ المواطنين اليومية بفواتير يدفعونها مُضاعفَةً للدولة والمولِّدات، وبتأجيلاتها المتكررة التي لا تَجِدُ من المسؤولين سوى أَعذارٍ وتقاذُفِ التُّهَم من عهدٍ الى العهد السابق، ومن حكومةٍ الى الحكومة السابقة، ومن وزيرٍ الى وزيرٍ سابق، والمواطنُ يرزح تحت الغَضَبِ واليأْس والقَرَف، كي يَكتشفَ في النهاية أنه هو المسؤول عن انقطاع التيار، وعليه أن يُبَرِّئَ ذمّته أمام الدولة حتى تكافِئَه الدولة بِحَلٍّ لِهذه المعضلة التي، عوض أن يسدِّدَ المواطنُ فواتيرها الشرعية، يَجد المسؤولين يسدِّدون بواسطتها فواتيرَ سياسيةً لِحساباتٍ سياسية في مواقفَ سياسية.